رئيس التحرير
عصام كامل

أحمد حسن الزيات يودع رمضان بـ«ربيع القلوب»

 أحمد حسن الزيات
أحمد حسن الزيات

كتب الدكتور أحمد حسن الزيات مقالًا في وداع الشهر الكريم، في مجلة "الأزهر" عام 1387هـ، قال فيه:

«مضى ربيع القلوب، وإذا الربيع يخلف وراءه في الأرض الخصب والنماء والكلأ والنضارة، فيرتع في خيره الإنسان والحيوان وسائر العام كله.


فهل يعيش المسلمون بعد رمضان على زاد من تقواه، وعدة من قواه، وذخيرة من بره يعصمهم من نزوات النفس وشهوات الجسد بقية عامهم إلى أن يعود ثانية؟

المفهوم من حكمة الصيام في شريعة الله أن يكون هكذا، ولكن الواقع أن رمضان كان في حياة أكثر الناس ثلاثين عيدا تبتدئ بليلة الهلال وتنتهي بيوم الفطر، تمتعوا فيها بملذات الحس ومسرات النفس، فتفننوا في الطعام والشراب، وتدفقوا في اللهو والأنس، حتى إذا خرجوا منه إلى "شوال" خرجوا من الواحة إلى الصحراء، ومن الهداية إلى التيه.

لذلك كان المسلمون في توديع رمضان جد مختلفين، فمنهم المتقون والقرويون، والذي لم تقس قلوبهم على جفاف المادية وكلب العيش، وهؤلاء يودعونه وعلى وجوههم غشاوة من الأسى على بركات تريد أن تنقضي وخبرات توشك أن تنقطع، كأنما يعتقدون أن باب السماء في غيره مغلق.

فإذا بدأ الجزء الأخير منه ظهر الحزن عليه صادقا في الوجه، ناطقا في الأفواه، وكلهم يقولون "لا أوحش الله منك يا شهر البر والذكر والفكر والرجاء".

ومنهم الخلعاء والمجان الذين في قلوبهم مرض، وفي إيمانهم ضعف، وهؤلاء يودعون رمضان قيدا ثقيلا غلهم من الشهوات الخسيسة، فيقول أحمد شوقى مثلا:

رمضان ولى هاتها يا ساقي... مشتاقة تسعى إلى مشتاق

وأنا لا أحب الخوض في حماقات هؤلاء المجان، فإنهم ليسوا من رمضان ولا من أهله، إنما أسوق إليكم الذين صاموه بالتقوى وقاموه بالإخلاص وودعوه بالحسرات وشيعوه بالدموع.

إسألوا أنفسكم: هل أنتم يوم ودعتموه خير منكم يوم استقبلتموه، شعرتم بعد أن أديتم الفريضة أن نفوسكم أصبحت أطهر، وأن أخلاقكم صارت أكرم؟

هل تشعرون بأنكم اليوم أشد قربا من الله وأوثق صلة بالناس وأطيب نفسا بالحياة؟

وإذا كانت أجوبتكم بالإيجاب، وإلا لما حزنتم على انقضاء رمضان وأسفتم لانقطاع الخير فيه، فإن المرء لايحزن إلا على عزيز.

لماذا لاتجعلون سائر الأشهر كشهر رمضان، لماذا لا تصونوا ألسنتكم عن الكذب، وتطهروا أفئدتكم من الفحش، وتنزهوا مكاسبكم عن الحرام، وتبرئوا أعمالكم من الغش، وقد جربتم ذلك في رمضان فنفعت التجربة وحسنت العاقبة.

لماذا لا تضيقون الكلفة في القهوة لتوسعوا النفقة في البيت، وتقتصدون قليلا في الأنس بالأصدقاء لتوفروا كثير الأنس بالأسرة، وقد فعلتم ذلك في رمضان فطابت المعيشة.

هذا السكير الذي استطاع أن يهجر الخمر ثلاثين يوما فزكا قلبه، وامتلأ قلبه وصح بدنه، فلماذا لايواصل العيش على نفس المنهاج، وهذا المدخن لماذا لايستمر صائما عن التدخين ليله ونهاره؟

وهذا التاجر الذي راضه الصوم على أن يقف نفسه عقد حدود الله في التجارة، لماذا لايلزم نفسه في كل وقت بعد أن استمرأ طعم الحلال؟

وهذا الفتى الذي ذاق في رمضان ألم الجوع وكابد مشقة الحرمان، ثم استطاع بالصدقة أن يخفف عناء الفقر عن الفقير والمحتاج، لماذا لايشعر دائما أن الجوع بعد رمضان باق، وأن العوز في أكثر الناس قائم؟

إن رمضان سنة لا شهر، ومصحة لا ملهى، ورياضة لا متاع، نروض فيه أنفسنا على الخير لتمرن عليه وتعالجها به من الشر لتبرأ منه، وليس الغرض من علاج النفس والجسم فيه أن ينقضي أثره بانقضائه، فذلك يخالف حكمة الشارع من الصوم».
الجريدة الرسمية