رئيس التحرير
عصام كامل

أخطر أمراض النفس البشرية


أشرنا في مقال سابق إلى الأمراض والآفات التي تعتلي النفس البشرية وفي هذا المقال نتحدث عن واحدة منها، وهي أخطرها وهي آفة الكبر، وهي الآفة التي تقود صاحبها إلى النار، وذلك لأن المتكبر ينازع الله تعالى في وصف من أوصافه عز وجل، فالكبرياء والعظمة والتعالي لله وحده وهو سبحانه القائل "الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن شاركني في أحدهما ألقيته في النار ولا أبالي"، وفي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام: "من تواضع لله رفعه، ومن تكبر خفضه"..


وداء الكبر مصدره الأنا الجاهلة المتوهمة العالقة بالنفس وليس هناك من هو أجهل من العبد المتكبر بحقيقة نفسه وأصلها وعظمة ربه عز وجل، فحقيقة النفس الضعف والعوز والاحتياج مهما بلغ صاحبها من أسباب الغنى والقوة، فما من إنسان إلا وهو فقير إلى خالقه معوز إليه في كل أسباب حياته في الدنيا، ومحتاج إلى رحمته تعالى وعفوه في الآخرة، معوز للهواء الذي يتنفسه ومعوز لأسباب الحياة من مأكل ومشرب ونوم وراحة وغير ذلك من أسباب الحياة..

هذا وقمة الجهل عدم معرفة الإنسان حقيقته ألا وهي أنه عبد مملوك لله وأنه لا يملك لنفسه بنفسه شيئًا، وأنه ضعيف لا حول له ولا قوة له، يضعفه المرض ويقهره الزمن وتذله الحاجة، ويفنيه الموت، أو أن ينسى أصله ومما خلق الله عز وجل فالبشر فيما عدا أبيهم آدم وأمهم حواء وسيدنا عيسى عليهم السلام خلقوا من نطفة يقول تعالى:" فلينظر الإنسان مم خلق خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب"..

فالبداية نطفة لا وزن ولا قيمة لها، وقد وصفها الله بالماء المهين، وعندما يتوفى وينتهي أجله ويموت يتحول بعد أيام من دفنه إلى جيفة قذرة نتنة لها رائحة لا تطاق ينفر منها الحيوان والإنسان، ومن هنا جاء تعجب الإمام على بن أبي طالب كرم الله وجهه حيث قال: "عجبت لثلاث من جملتهم العبد المتكبر فقال، عجبت للعبد المتكبر، بدايته نطفة ونهايته جيفة ويحمل في بطنه العذرة"، أي الفضلات التي تذهب إلى الحمامات ودورات المياه، فعلام يتكبر، والعبد المتكبر ظالم لنفسه بتكبره وتعاليه على بني جنسه فالناس كلها سواسية نسبتهم إلى أبيهم آدم وآدم من تراب..

هذا وللعلاج من هذه الآفة يجب أن يتذكر الإنسان ما كان عليه الملوك والأكاسرة الذين حكموا الدنيا على مر التاريخ والأزمنة وما كان لهم من سلطة ونفوذ وقوة وجبروت وما آل إليه حالهم بعد موتهم وكيف كانت نهايتهم وأين هم الآن، وكذلك يجب التذكير بعظماء الخلق وساداتهم وصفوتهم وأحبهم وأقربهم إلى الله وأكرمهم عليه سبحانه وهم السادة الأنبياء والأولياء وما كانوا عليه من تواضع وعدم رؤية النفس وانكسار لخلق الله، وكيف كان تواضعهم وخدمتهم للناس وخاصة الفقراء والضعفاء والمساكين ومشاركتهم أصحابهم في الخدمة..

ومما جاء في ذلك عن سيد الخلق الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام يوم أن أراد بعض الصحابة رضي الله عنهم عمل وليمة، فقال أحدهم أنا على الشاة وقال آخر وأنا على ذبحها، وقال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وهو سيد ولد آدم، وأنا على جمع الحطب، ولقد كان أيضًا من شدة تواضعه يعمل في مهنة أهل بيته وكان يعاون نساءه رضي الله عنهن في خدمة البيت فكان يرقع ثوبه ويخصف نعله وينظف فرسه ويحلب شاته بيده الشريفة وكان يجالس خدمه ومواليه ويؤاكلهم ويضاحكهم وكان لا يعلو في مجلسه الشريف على أصحابه وغيرهم..

ومن أروع مشاهد التواضع في حياته ما كان منه صلى الله عليه وسلم يوم أن دخل مكة المكرمة منتصرا فاتحا وانحناءه فوق فرسه شكرا لله على الفتح وتواضعا له حتى أنه من شدة انحائه وسجوده سقطت القنصلوة من على رأسه الشريف، ومشهد آخر يوم ازدحم عليه الناس في مجلسه وآذوه بأنفاسهم فأشار سيدنا العباس رضى الله عنه عليه ببناء عرش له صلى الله عليه وسلم وقال: ألا نبني لك عرشًا يمنع عنك زحام الناس، فبكى وخر ساجدًا على التراب عليه الصلاة والسلام وهو يقول: يا عماه ما أنا إلا عبد أجلس كما يجلس العبد وآكل كما يأكل العبد..

هذا، ويلزم للعلاج أيضًا مصاحبة أهل التواضع من عباد الله الصالحين أطباء القلوب ومعالجي الأنفس الذين يعلمون داء النفس ودواءه، هذا مع كثرة السجود والخضوع لله تعالى وكثرة الدعاء لله تعالى والتذلل بين يديه تعالى وإظهار افتقارهم إليه سبحانه وطلب إمدادات الإعانة منه للتخلص من هذا المرض وهذه الآفة المهلكة الخطيرة، وفي الختام فلنتذكر أننا عبيد لله، وأن حقيقتنا الضعف والعوز والاحتياج، اللهم لا تنسنا حقائقنا واجعلنا من عبادك المتواضعين لخلقك الخاشعين لك..
الجريدة الرسمية