رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

خواطر حول الحديث الشريف


بعد أن أصبحت علوم فهم الدين، بمثابة الدين نفسه، لدرجة اختلاط المقدس بالبشري، لذلك أرى أنه لن يجدينا أن نقول لأصحاب العقل السلفي إن الصحابة رووا الحديث بالمعنى لا باللفظ، لذلك اختلفت ألفاظ الحديث الواحد عشرات المرات، حتى إن بعض الروايات تبدلت فيها المعاني من كثرة تغيير الكلمات، ولن يستمع لك أحد منهم لو قلت إن الصحابة لم يكتبوا الأحاديث نقلا عن الرسول؛ لأن الرسول نهاهم عن ذلك، وسيبذل أهل الحديث جهدهم لإثبات أن الصحابة خالفوا أمر الرسول وكتبوا خلفه الأحاديث!


ثم إذا سألتهم: وأين ما كتبوه إذن؟ لن تجد جوابا إلا تأكيدات بأن عبد الله بن عباس كتب في ألواحه عشرات الآلاف من الأحاديث وكان يضع هذه الألواح على جمله فينخ الجمل من حملة، فإذا قلت لأهل الحديث مرحى مرحى! أين نجد هذه المخطوطات العباسية، أهي في مكتبة الكونجرس أم في مكتبة الفاتيكان، سيقولون لك إنها بادت واندثرت، فإذا قلت لهم: وأين ألواح عبد الله بن عمرو؟ رموا في وجهك نفس الإجابة، فإذا قلت لهم سنصدقكم، ولكن مؤدى وجود كتابة للحديث في عهد الرسول أن يكون أحد التابعين قد نقل حديثا عن طريق ما قرأه في هذه الألواح، وهو الأمر الذي لم يحدث أبدا، فتكون مسألة كتابة الصحابة لأحاديث في زمن الرسول هي خرافة تناقض نهي الرسول عن كتابة الحديث.

فإذا كان الحديث قد تم نقله جيلا بعد جيل عن طريق المشافهة وبالمعنى لا باللفظ، إلى أن كتب رواة الأحاديث ما وصل إليهم، فإن هذا سيؤدي حتما إلى غياب أشياء كثيرة يستقيم بها علم الحديث، منها مثلا ما هي المناسبة التي قال فيها الرسول صلى الله عليه وسلم الحديث؟ فكلنا يعلم أسباب التنزيل لآيات القرآن، هذه آيات عن بدر وتلك عن أحد وهذه عن فتح مكة وأخرى عن مؤتة، وهذه عتاب للرسول بسبب كذا أو كذا، فإذا كانت الأحاديث تنزيلا فما هي أسبابها؟ لم يرد لنا مناسبات الأحاديث إلا في قلة قليلة متعلقة بالنسك التعبدية أو المواقف التعليمية والتربوية، أما الغالبية فغامضة غموضا يستحيل منه أن نخرج من ظلماته بمعنى واضح إلا إذا ضربنا طرائق الغيب.

ثم بعد ذلك ما هي التفرقة بين الحديث الذي وحيه من عند الله ولفظه من عند الرسول، وبين أقوال الرسول العادية التي يتحدث بها بين الناس كباقي البشر؟ بل إننا نستطيع أن نضع تعريفا جديدا للحديث الشريف، فإذا كانوا يقولون إن الحديث «معناه مُوحى به من عند الله ولفظه من عند الرسول» إلا أننا وبعد أن استقر الكل عند أن الأحاديث رويت بالمعنى فإن معنى هذا أن نقول «الحديث معناه مُوحى به من عند الله ولكن اللفظ من راوي الحديث».
Advertisements
الجريدة الرسمية