رئيس التحرير
عصام كامل

الفول صديقي


كان مصروفي الأسبوعي ضئيلًا للغاية ولكنه تناسب مع بساطة متطلبات طفل في عامه السابع، والتي جاء على رأسها شراء الطوابع البريدية لمراسلة مجلات الأطفال وكتابة موضوعات في مجلات علاء الدين، وميكي، وسمير، وماجد.


وقتها لم أكن الوحيد الذي يميزه رقم "سبعة" فقد حمله العقد الأخير من الألفية الثانية.. وهو عام إنتاج فيلم "المصير"، الذي كتبه وأخرجه يوسف شاهين للرد على منع عرض فيلمه "المهاجر"، والأخير مُستوحى من قصة سيدنا يوسف مع أخوته، وما يجمعني بقصته أنني أيضًا عندي شقيق واحد فقط، له مكانة كبيرة في قلبي مثلما أحب يوسف بينيامين، وقد حاولنا سويًا ونحن صغار أن نزرع "الفل" في حديقة أمام منزلنا، فباءت التجربة بالفشل الذريع واكتفينا بزراعة "الفول" في أطباق بداخل المنزل.

أما جاري الصغير الذي يقترب من عمري فقد تركنا نهتم بالزراعة ليقوم بدفن بطاريات ريموت التليفزيون في الأرض معتقدًا أننا سنعود بعد سنوات لنجدها قد تحللت وتحولت إلى بئر بترول، فننعم جميعًا بالثراء ولكن لم ينله سوى صرخات والدته وحرمانه من المصروف.

كنت في الابتدائية داخل فصل يزيد تلاميذه عن الخمسين، في مدرسة يقل عدد معلميها عن الدستة، مرت السنوات ولكنني أذكرهم جيدًا رغم تباين ملامحهم واختلاف شخصياتهم، فأحد المدرسين كان دائم البحث عن مسجد للصلاة ويتأخر عن حضور الحصص بسبب ذلك، بينما مدرس آخر كان دائم البحث عن فرصة هجرة لأمريكا، ويتركنا ليراجع أوراق سفره، فتوزع انشغالهما بين البيت الحرام والبيت الأبيض ونسى كلاهما "بيت القصيد" وهو الانشغال بتعليم التلاميذ.

في بداية ذلك العام تُوفيت مديحة كامل التي أحببتها في أفلام (الجحيم)، و(شوارع من نار) و(الفول صديقي) رغم علمي أن المسميات ليس المقصود بها أبدًا وصف الحياة في مصر، حتى وإن صدقت، ورغم هذا أدهشني رأي معلمي الذي ودعني قبل السفر لأمريكا قائلًا إن أقرب المصريين إلى قلبه من الآن فصاعدًا سيكون المصري المسئول عن ختم جواز سفره أثناء الصعود للطائرة.

عندها لم يكن يشغلنا سعر الدولار الذي كان أقل من أربعة جنيهات قدر اهتمامنا بتنظيم مصر لكأس العالم في كرة القدم للناشئين وظهور لاعب برازيلي جديد اسمه رونالدينيو.. وفي العام نفسه حقق فيلم (إسماعيلية رايح جاي) نجاحًا كبيرًا لأبطاله الشباب.. وجاء حادث موت الأميرة ديانا ليشعل الشائعات ويُحزن البعض، وبعدها بأيام ودع العالم الأم تريزا.. أما في رمضان فقد استمتعنا بمسلسلات بوابة الحلواني، ويوميات ونيس، وهوانم جاردن سيتي، وزيزينيا، والسيرة الهلالية وغيرها.. بينما تألمنا من مذبحة الأقصر التي مات مرتكبوها، ولكن ظلت أفكارهم المتطرفة باقية.

قبل عشرين عامًا كانت وتيرة الحياة أقل إزعاجًا بدون إنترنت، وأكثر هدوءًا بعيدًا عن مواقع التواصل الاجتماعي.. وفي تلك الأيام كان لكل شيء بريقه الخاص وعطره المميز.
الجريدة الرسمية