رئيس التحرير
عصام كامل

ممنوعة بأمر المحافظ !


ممنوع الشكوى على "فيس بوك".. تجربة جديدة دشنها محافظ الدقهلية الدكتور أحمد الشعراوى.. قرارات إدارية جديدة.. قرارات مهمة من حيث المبدأ، على الأقل بالنسبة لشاغلى الوظائف العامة والحكومية.


كل من يكتب عن عمله، وطبيعة مهامه في أي وزارة أو مصلحة حكومية في زمام محافظة الدقهلية على مواقع التواصل يحال للتحقيق الإداري.. كل من يشكو مديره، أو يتلمز على زملائه على "فيس بوك" تتولاه الشئون القانونية.. كل من يشكو أو يعرض مشكلة إدارية على حسابه على تويتر لا يتم التحقيق فيها، لكن يحال هو للتحقيق.

التجربة مهمة، والاستمرار أهم.. المسائل زادت على حدها، وناقص مواقع التواصل الاجتماعى تدخل تحت جلودنا، وتتسلل لشرباتنا وملابسنا الداخلية.. في المصالح الحكومية كل أسرار الأشغال ومشكلات الأعمال وخلافات الإدارات والموظفين برة وعلى عينك ياتاجر.. الغسيل القذر منشور واللى ما يشترى يتفرج.

مواقع التواصل لعنة والعياذ بالله.

في المحليات الوضع أسوأ وأضل سبيلا.. وصلت الأمور مؤخرا للتلاسن على أعمال حفر بين اثنين موظفين في إحدى الوحدات المحلية، تبادلا الرسائل على مواقع التواصل ببيانات كاملة، وأرقام شغل، وتفاصيل ورديات.. يعنى مهزلة.

لو هذه بيانات ليست مهمة، فأكيد بيانات أخرى أهم تذاع وتتداول على مواقع التواصل.. خلافات المديرين والموظفين يتم تداولها أيضًا في سوابق لا تحدث إلا عندنا نحن.. في مجتمعاتنا نحن.

أسوأ من استخدم مواقع التواصل نحن.. أسوأ من تعامل مع مواقع التواصل كان إحنا.. لا شك أنه نوع من الفوضى.. كأنه سوس ينخر في عظام جهازنا الحكومى، مع أمراض أخرى.. لكن مرض النشر على الإنترنت أسوأ وأخطر مرض مزمن.

أدمنا الفوضى على أنها حرية تعبير.. اعتبرنا ضرب القواعد والقوانين واللوائح خصوصية محمية بالدستور والقانون.. ضمن انقلاب المعايير، أصبحت مخالفات القوانين محمية بالقوانين !

قرار محافظ الدقهلية في محله.. منع فيس بوك بقرار إداري قرار صائب.. المهم قدرة المحافظ على التنفيذ.. المهم قدرته على مواجهة مليون موظف يخرجون على كل ضامر يأتين من كل فج عميق بحديث عن حرية التعبير والحريات الشخصية، والحاجات والمحتاجات.

لا هي حرية رأى ولا يحزنون.. في بريطانيا العام الماضى أقر البرلمان قانون منع تداول مشكلات العمال على مواقع التواصل.. منع الدعاية الانتخابية في دوائرهم، ومنع نشر الإعلان عن الإضرابات العمالية ومواعيدها وخط سير تظاهراتها.

هل تنكر أن بريطانيا بلد ديمقراطي ؟ هل هناك أكثر من حرص المشرع البريطانى على الحرية الشخصية وحرية التعبير ؟

إذا كان البريطانيون وجدوا خطرا في بعض استخدامات مواقع التواصل، فقد وجد الألمان خطرا أيضا، فأقروا هم الآخرون قواعد وقوانين مقيدة.. الفرنسيون بعد أحداث الإرهاب الأخيرة، وضعوا قواعد شديدة الصرامة، وأجازوا تدخل السلطات لحذف المواد وإغلاق صفحات.

ليت تجربة الدقهلية تعمم على المصالح والوحدات الحكومية والوزارات في بقية المحافظات.. مفترض أن ينتبه مجلس الوزراء.. لو الجهاز الإداري مهلهل بما فيه الكفاية، فلا داعى للجرس والفضائح على الهواء.. لا ينقص المشرحة مزيدًا من القتلى.. نوع من الضبط والربط مطلوب.. ليس في الدقهلية وحدها.. إنما في كل الجهاز الحكومى والإداري على العموم.

نصح محافظ الدقهلية أصحاب الشكاوى من الموظفين تقديمها بالطرق القانونية والإدارية.. قال إن لكل ذى حق حقه.. "بس بالأصول".. عنده حق.. شكاوى مواقع التواصل ليست من الأصول.. عنده حق.
الجريدة الرسمية