رئيس التحرير
عصام كامل

النفس البشرية


ماهي النفس البشرية وما أصلها وما مكمن سر الأضداد الموجودة فيها، ومن أين اكتسبتها، وهل هي نفس واحدة متعددة الأوصاف في الإنسان أم هي مجموعة أنفس مركبة فيه؟!


هذه هي الأسئلة التي سأحاول الإجابة عنها من خلال هذا المقال ولنبدأ بقوله تعالى: "ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها"، صدق الله العظيم.

أولا، نعرف النفس البشرية، هي جوهر ذات الإنسان وهي عين مجلى الأنا ومحلها في الإنسان وهي المخاطبة من الله عزوجل والممدوحة في القرآن والمذمومة أيضًا، فهي الأمارة بالسوء وهي اللوامة والمطمئنة والراضية والمرضية، وهي التي أودع الله تعالى فيها القابلية للسمو والتدني قابلة للارتقاء إلى مصاف الملائكة وفي نفس الوقت والقدرة قابلة للانحطاط تحت درجة البهائم والأنعام، يقول تعالى وصفا لذلك: "كالأنعام بل هم أضل سبيلا"..

وسبحان الله حين خلقها وقبل أن يركبها في الإنسان غمسها في حياض الربوبية وهي محل تجلياته تعالى الجامعة للأسماء والصفات المنسوبة إليه سبحانه، والجامعة للأضداد فهو الرافع والخافض وهو المعز والمذل وهو الرحمن والجبار وهو الرحيم والمنتقم وهو العاطي والمانع، فخرجت معبأة بالأنا والأضداد ولذا هي محل الأغيار، معبأة بالكبرياء والتعالي والعظمة التي اكتسبتها من صبغة الربوبية التي صبغت بها، وعندما خلقها سبحانه وقبل أن يسكنها في آدم عليه السلام أوقفها سبحانه وتعالى بين يديه وخاطبها بقوله من أنتي ومن أنا، فقالت بلسان الكبرياء والتعالي: "أنت أنت وأنا أنا"، ونازعته عز وجل في حضرة الربوبية..

فأمر سبحانه بإدخالها في النار ومكثت فيها ما شاء الله أن تمكث وأخرجها وأوقفها بين يديه عز وجل وكرر عليها نفس السؤال من أنتي ومن أنا فأجابت بنفس الإجابة، قالت بكبرياء: "أنت أنت وأنا أنا"، فأدخلها في نار أشد من النار الأولى وتركها ما شاء أن يتركها ثم أخرجها وسألها نفس السؤال فأجابت بكبر أشد بنفس الإجابة فأدخلها النار للمرة الثالثة وكانت أشد، وأخرجها وسألها نفس السؤال فأجابت بنفس الإجابة، فمنعها عز وجل شهوتها وكسر هواها، فانكسرت وشعرت بالضعف والذل والمسكنة فانكسرت وأذعنت، فأوقفها بين يديه عز وجل، وسألها نفس السؤال..

فأجابت بخضوع وذل وقالت: "أنت ربي سبحانك ورب كل شيء وأنا عبدتك".

هذه هي قصة النفس ومنها نعرف أن نجاتها وخضوعها لله تعالى يأتي عقب مجاهدتها وكسر شهوتها ومخالفة هواها وإقامتها في ميادين العبودية وأعتقد أن هذا الحوار الذي كان بينها وبين خالقها عز وجل ما كان إلا لنعلم أن علاج كبرياء النفس وتعاليها وإدخالها في حظيرة العبودية يكمن في كسر شهوتها ومخالفة هواها..

هذا والنفس البشرية في كل إنسان نفس واحدة لها عدة أوصاف بحسب حالها، وما هي عليه من حال، فإن كانت تميل إلى الشهوات ومتبعة لهواها وتميل أي المعصية، تأمر صاحبها بالسوء فهي نفس أمارة بالسوء وهي المشار اليها في قوله عزوجل: "وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي"..

وإذا تعافت قليلا وظهر فيها التأنيب والمعاتبة عند الوقوع في المعصية واستيقظ فيها الضمير الإنساني، فهي نفس لوامة وهي نفس عظيمة وذلك لأن الله تعالى العظيم أقسم بها، والعظيم لا يقسم إلا بعظيم، حيث قال سبحانه: "لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة"، هذا وإذا ارتقت وتزكت وتخلصت من العلائق والأغيار وسمت عن الأهوال والشهوات ودخلت في دائرة الأنوار، فهي نفس مطمئنة وهي النفس المخاطبة من الله والممنوحة إذن الدخول في حظيرة العبودية وهي التي حظت بشرف العبودية والانتساب إليه عز وجل والمؤهلة لخلع الرضى والرضوان من الله..

حيث يقول تعالى: "يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي"، وأعتقد أن الجنة المشار إليها ليست جنة التنعيم بل هي جنة الأنس بالله عزوجل، ويؤكد ذلك قوله تعالى: "ولمن خاف مقام ربه جنتان".. اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من ذكاها، وأعنا على أنفسنا وخلصنا من ميل طبعها وهواها..

هذا وسوف نستكمل حديثنا عن النفس وأمراضها المبطونة فيها والتي منها الكبر والتعالي والأنانية والطمع والبخل والحسد والحرص وحب الجاه والسلطان والشهرة وغيرها من الأمراض التي قد لا يعلمها الكثير من الناس في المقالات التالية بمشيئة الله عز وجل..
الجريدة الرسمية