رئيس التحرير
عصام كامل

الشعب متفرجا على أصحاب «مش عاوزينه» و«عاوزينه للآخر»


تزاحمت أحداث الأسبوع المنقضى في مصر ولكنها صبت جميعها في إطار واحد وهو موت السياسة (الرسمية) في مصر وبقاء السياسة بمفرداتها الشعبية كامنة وفى بيات شتوى مفروض عليها انتظارا لحدث جلل في مايو من العام القادم، فعندما نجد أن أي حوار سياسي أو حتى مكايدة سياسية يكون حديث الرئيس فيها هو سبب ظهورها، تعلم عندئذ أن السياسة الرسمية في مصر في مرحلة موت حقيقى ولا أمل في إحيائها سوى استحقاق سياسي أوحد قادم بعد عام تقريبا وهو الانتخابات الرئاسية.


لا تشعر بأن في مصر حزبا سياسيا واحدا يحدث حراكا سياسيا أو يستبق الرئيس ويفرض أجندته على الدولة، مع أنه (على الورق) يوجد عندنا عشرات الأحزاب التي أراهن أن يحصيها الوزراء وأعضاء البرلمان أو حتى رؤساء الأحزاب أنفسهم.. كثير جدا هم ولكن قلوبهم شتى، ربما ظهر على الساحة حزب أو غيره بسبب مشكلة داخلية أو تدخل يطيح به لأنه أصبح مكروها أو انتهى دوره ولم يعد يمثل إضافة لمن أتى به وفرضه على الحزب والسياسة المهترئة المريضة التي قتلتها علل كثيرة منذ وقت بعيد.

وفى الأسبوع الماضى تحديدا وأثناء انعقاد مؤتمر الشباب في الإسماعيلية، تحدث الرئيس في أشياء كثيرة، كان أهمها على الإطلاق هو موضوع إعادة انتخابه أو تجديد مدته الرئاسية لفترة أخرى تمتد حتى 2022، وبدون الدخول في تفاصيل حديث السيد الرئيس، وبغض النظر عن المكايدة السياسية بين أصحاب هاشتاج (مش عاوزينه) وأصحاب الهاشتاج المضاد (عاوزينه للآخر)، تجد أن أغلبية الشعب الحقيقى والذي يختبئ وراء حساب مزيف أو حتى حساب حقيقى على مواقع الواصل الاجتماعى قد توارى خلف همومه الاجتماعية المتمثلة في كارثة التضخم والغلاء اليومى.. فلم يشارك أحدا من الطرفين المتنافسين هشتاجيا وافتراضيا لأسباب متعددة منها مثلا، الخوف من مراقبة الحسابات الاجتماعية، وقانون الطوارئ الذي يستطيع بمقتضاه أي فرد أن يدخل في أزمة حقيقية مع الدولة بسبب كلمة أو هاشتاج أو غيره... أيضا أصبح التعايش اليومى مع متطلبات الحياة بطولة في حد ذاتها وبذلك توارت كل البطولات الأخرى التي اشتدت في فترة الثورة وما بعدها والتي سماها الرئيس «الوعي الزائف»!

الوعى الكامن
وحتى إن تصور الرئيس وكل رجال السلطة، أن ثورة يناير كانت وعيا زائفا، فلا شك أنها خلقت وعيا حقيقيا صادقا إيجابيا يؤثر في الجميع من أنصار لها ومعارضين وكارهين لسيرتها وفى الرئاسة نفسها، وفى كل الدولة المصرية لدرجة أن الرئيس تحدث صراحة عن حرية الشعب في عدم التمديد الرئاسى له إن كانوا (مش عاوزينه) حسبما قال الرئيس حرفيا !

هل كان بإمكان الشعب انتخاب رئيس قبل يناير! وهل كان بمقدور أحد غير مبارك وأسرته أن يأتى لسدة الحكم ويتم وجود تداول فعلى للسلطة والتقرب للشعب حتى ولو لفظيا من الذين يريدون حكمه.. هذا في حد ذاته وعي إيجابي، حتى وإن كان مفروضًا وعلى غير هوى من كثيرين يكرهون أي شكل من أشكال الديمقراطية أو الحرية والعياذ بالله !

الرئيس الذي يريده الشعب
بالقطع حديث الرئيس كان ثريا جدا ويتسع لعشرات المقالات التي تفنده وتتفاعل معه، ولكن أهم نقطة كانت تأكيد الرئيس إرادة الشعب وحقه وكامل حريته في اختيار الرئيس القادم.. لكن أحدا لم يجرؤ على مناقشة الرئيس في النهج السياسي الذي يتحتم عليه السير فيه إن كان يريد تجديد مدته الرئاسية، بل إن أحدا لم يناقش الرئيس في كيفية جذب الشعب له وبناء شعبية حقيقية غير تلك التي انتقص منها وبشدة الغلاء وتضاعف الأسعار ورفع الدعم وثبات الدخل الفردى، أو بالأحرى نقصانه وتهاويه للنصف تقريبًا مع تعويم الجنيه رغم الوعود المتكررة بعد تأثر الأسعار بالدولار!

الشعب الذي لم يشارك في أي هاشتاج مؤيدًا أو معارضًا للرئيس ليس ميتا كما ماتت السياسة الرسمية في مصر، الشعب المهموم الغلبان المنسحق مع دوامة الغلاء وتروس عجلة الإفقار والاستغلال والجشع الرأسمالى لن يشارك في هاشتاج أو غيره، لكنه حتمًا سيكون هو كلمة السر الوحيدة والعنصر الفعال في 2018، لذا على الرئيس أن يدرك أن للسياسة أحكامًا، حتى وإن كانت ميتة رسميًا ولكنها تحيا في مواسم شعبية، وروحها وباعث الحياة فيها هو الانحياز للشعب، والتقرب له فعليًا بإراحته اقتصاديًا وليس بتحميل كل الأعباء عليه وحده.. للحديث بقية بإذن الله..
fotuheng@gmail.com
الجريدة الرسمية