رئيس التحرير
عصام كامل

رئيس اللجنة العسكرية لتسلم سيناء: السادات قال لنا «اوعوا تتنازلوا عن بترول سيناء»

فيتو

  • إسرائيل لم تتنازل عن شبر تحتله منذ وجودها.. وأردنا ملف التفاوض بشراسة 
  • المفاوض المصري لم يكن جاهزا للتنازل عن حبة رمل ثأرا للشهداء
  • موشى ديان طلب عدم دخول مناطق البترول في أبورديس وخليج السويس ضمن الاتفاق.. وردنا على مطالبهم: "إما الأرض كاملة أو نسف المفاوضات"

35 عامًا مرت على تحرير شبه جزيرة سيناء من الاحتلال الإسرائيلي، غير أن هذه السنوات الطويلة كشفت أن أرض الفيروز، التي سالت عليها دماء الشهداء الزكية في العديد من الحروب وخاصة حرب أكتوبر المجيدة، مستهدفة ليس فقط من عدو صهيوني غاصب، ولكن أيضا من قبل جماعات وقوى التطرف والتكفير والإرهاب من الدواعش والذئاب المنفردة وغيرهم.

35 عامًا مضت على تحرير أرض تحتضن جبل الطور والوادى المقدس ودير سانت كاترين ومسار العائلة المقدسة، بينما يخوض جيش مصر حربًا بلا هوادة ضد الإرهابيين حتى استطاع تحرير جبل الحلال من قبضة التكفيريين، في تواصل رائع لبطولات أبناء القوات المسلحة بين الماضى والحاضر على هذه الأرض الباسلة.

"فيتو" بمناسبة عيد تحرير سيناء الذي يوافق 25 أبريل من كل عام أجرت حوارات مهمة تكشف وترصد هذه البطولات، فضلا عن طرح رؤى وأفكار مهمة، ويكشف اللواء "محسن حمدى"، رئيس اللجنة العسكرية لتسلم سيناء، كواليس المفاوضات وأن الإسرائيليين طلبوا خلالها تأجير شرم الشيخ، وكشف كيف كان المفاوض المصري لا يقل عن المقاتل في الميدان بسبب العراقيل التي وضعتها إسرائيل لإفشال المفاوضات واستمرار احتلالها للأرض.


رئيس اللجنة العسكرية لتسلم سيناء، أزاح الستار عن أغرب المطالب التي أرادت إسرائيل تنفيذها في إطار المفاوضات حول استرداد الأرض، كما كشف موقف الرئيس الراحل محمد أنور السادات فيما يتعلق بـ"بترول سيناء"، والرغبة في مراقبة الجيش المصرى داخل سيناء.. فإلى نص الحوار:

بداية.. من وجهة نظرك ما الأسباب التي دفعت إسرائيل للموافقة على التفاوض مع مصر عقب نصر أكتوبر؟
أولا.. لا بد أن يعلم الجميع أن مصر خاضت حربا في المفاوضات لا تقل شراسة من الحرب في الميدان لأن إسرائيل لا تترك أبدا شبرا استولت عليه، كما أن الإسرائيليين أساتذة في المماطلة حتى يضيع الحق، وما يحدث في فلسطين خير شاهد على كلامي.

أما مع مصر فالأمور مختلفة بعد نجاح الجيش المصري في عبور قناة السويس وإسقاط القناع عن الأكاذيب الإعلامية التي كانت تبثها إسرائيل في الإعلام الخارجي بأنه صاحبة الجيش الذي لا يقهر، وأن المصريين لن يستطيعوا عبور قناة السويس بسبب إمكانياتهم البسيطة وحجم التسليح المتواضع بالنسبة للتسليح الإسرائيلي وقتها، لكنها ومن قبلها العالم فوجئوا بالمارد المصري الذي عبر القناة وحطم الأسطورة فحاولت بمساعدة أمريكية كسب أي انتصار على الأرض، فصنعت الثغرة وحاصرت الجيش الثالث، إلا أن هذا لم يكن في صالحها رغم الإمكانيات التي وضعتها أمريكا في يد الجيش الإسرائيلي من توافـــــــر معلومات وإمدادها بأحدث الأسلحة من خلال الجسر الجوي الذي فتحتــــه، إلا أن الخسائر البشرية والمادية والمعنوية خلال تلك العملية دفعتها لطلب المساعدة من الأمريكان للتدخل وطلب وقف إطلاق النار من الجيش المصري، وبعد وقت وافق السادات بإيقاف إطلاق النار، وظنت إسرائيل أنها سوف تقوم بهدنة مؤقتة تتمكن خلالها من أن تلملم شتاتها، لكن "السادات" كان حاسما في قراراته، إما استمرار الحرب أو المفاوضات العادلة التي تعيد الأرض المغتصبة.

*كيف بدأت مرحلة المفاوضات؟
بدأت بوقف إطلاق النار، ثم انسحاب القوات التي دخلت من منطقة الثغرة إلى شرق القناة أخرى، لكن إسرائيل كانت تتنصل من بعض الشروط بتعالٍ في المرتين الأولى والثانية وكنا ثابتين على كلامنا، بعد فشل المفاوضات الثانية استنتج الرئيس "السادات" برؤيته بعيدة المدى أن الموضوع لن يكون سهلا، وهو ما دفعه للجوء للرئيس الأمريكى جيمى كارتر، رغم علمه أن أمريكا تؤيد إسرائيل بنسبة مليون في المائة، ولكن هذه المرة كان كارتر محايدا في مسألة التفاوض، واستجاب للرئيس السادات واجتمع الطرفان بالوساطة الأمريكية في «كامب ديفيد»، وتم التوصل إلى اتفاق من 6 مبادئ، من ضمنها أن يجتمع الطرفان لعمل معاهدة سلام، وكانت تتضمن أيضا انسحاب إسرائيل من الضفة الغربية وقطاع غزة بالكامل خلال 5 سنوات وكان هذا عام 1977.

حدثنا أكثر عن الموقف الأمريكي من المفاوضات ؟
حاول "كارتر" جاهدا إقناع السادات بالمفاوضات ولم ننس الخطاب الشهير للسادات في مجلس الشعب عام 1977 بأن إسرائيل ستدهش عندما تسمعني الآن وأنا أقول إننى مستعد للذهاب إلى الكنيست للمفاوضات على السلام الشامل والعادل، ودعا السادات "بيجن" لزيارة مصر، وبعد اجتماع الذي تم في الإسماعيلية بشهر واحد اجتمعت اللجنة السياسية من وزراء خارجية مصر وإسرائيل والولايات المتحدة في القدس. 

وفي أثناء انعقاد تلك اللجنة شرعت إسرائيل في بناء مستوطنات جديدة في سيناء، لاستخدامها كورقة مساومة على مصر. فلم يكن بيجن مستعدًا لقبول تنازلات، وقال وزير الخارجية الإسرائيلي "موشيه ديان": "إنه من الأفضل لإسرائيل أن تفشل مبادرة السلام على أن تفقد مقومات أمنها، حتى لا تضيع وسط الدول العربية وتكون سهلة".

وعرض الإسرائيليون علينا ترك قطاع غزة للإدارة المصرية مقابل تعهد بعدم اتخاذها منطلقًا للأعمال الفدائية، وكان هدفهم من ذلك عدم إثارة موضوع الضفة الغربية، وشعر السادات بأن الإسرائيليين يماطلونه؛ فألقى خطابًا في يوليو 1978 قال فيه: "إن بيجن يرفض إعادة الأراضي التي سرقها، إلا إذا استولى على جزء منها كما يفعل لصوص الماشية في مصر" ما دفع أمريكا لتكون الطرف الثالث بين دولتين لا يريد طرفهما التنازل عن حقه في المطالب. 

وعندما تم تحديد ميعاد للسفر إلى كامب ديفيد كان في استقبالنا وزير الخارجية الأمريكى في عهد جيمى كارتر، سيروس فانس، والوفد المرافق له، واجتمع بالوفدين، وبدأ الوزير الأمريكى بمقدمة -بصفته المضيف- ثم أعطى الفرصة لكل رئيس وفد بالحديث، وبدأ بالوفد الإسرائيلى طبعا، وكان يضم موشيه ديان، وزير الدفاع الإسرائيلى، وعيزرا وايزمان، بدأ "ديان" كلامه بنوع من التعالى والعنجهية المبالغ فيها علينا، وبعدما انتهى قال له «فانس» بما معناه باللهجة العامية: «بلاش كلام من تحت الترابيزة. وتكلم بالمكشوف ولا تقل تعليقات غير مقبولة، ففي الحقيقة كان الوزير الأمريكى محايدا جدا، ولم يكن الوفد الإسرائيلى يحبه لهذا الأمر».

وهنا قال وزير دفاع مصر "جئنا بقلب مفتوح استنادا إلى حديث الرئيس السادات في القدس، وذلك بعدما حاربنا لنثبت أننا نستطيع أن نحرر أرضنا بالقتال، لكنكم تنادون بالسلام، ونحن هنا لإقامة معاهدة السلام إذا أردتم.

* ما حقيقة طلب الوفد الإسرائيلي تأجير المطارات والحصول على حق انتفاع لحقول البترول؟
نعم طلبوا تأجير بعض المطارات التي قاموا ببنائها، بل تأجير أماكن كاملة منها مدينة شرم الشيخ وكان ردنا وفتها بالضحك والسخرية لمطلبهم فنحن أمام خيار واحد لا يقبل الجدل "أرضنا كاملة أو نسف المفاوضات".

ولكن أكثر طلب غريب هو طلب ديان بعدم دخول مناطق البترول في أبورديس وخليج السويس ضمن الاتفاق؛ فأرادوا استمرار سحب البترول من أراضينا تحت دعوى أنه سيتم الاتفاق عليها فيما بعد عقب ما يسمى «إجراءات بناء الثقة» كما يقولون، كما طالبوا بأن يكون لهم وجود في سيناء عبر وجود أجهزة رادار على قمم الجبال لتراقب الجيش المصرى إذا ما أراد الهجوم عليهم مرة أخرى مثلما حدث في حرب 6 أكتوبر 1973 على أن يديرها ضباط إسرائيليون، ووضع كاميرات تصوير على الضفة الشرقية للقنال لمراقبة قواتنا، وأن يكون خليج العقبة منطقة حرة الحركة لهم بالكامل، وأن يتم منحهم تسهيلات لدخول المنطقة في أي وقت، وهو ما تم رفضه بالكامل.

وفي الحقيقة كان الرئيس السادات يقول لنا قبل أي اجتماع مع لجنة المفاوضات «اوعوا تتنازلوا عن بترول سيناء»-"لا تفريط في الأرض لأنها مقدسة فلا يمكن أن نقبل بأى جدل أو مساومة على ذلك أبدا، وأنه لا مناقشة ولا مساس بالسيادة الكاملة على أراضينا، وهذه التوجيهات كانت القوة التي تدفعنا لأن نرفع رأسنا عاليا لأننا أصحاب الأرض ورئيس الجمهورية يقف خلفنا ولن نتنازل عن حبة رمل واحدة.

كيف تم الانسحاب الإسرائيلي من سيناء؟
نصت المعاهدة التي توصلنا إليها بعد جولات من المفاوضات على أن يكون الانسحاب بعد 3 سنوات، وذلك بعدما أراد الجانب الإسرائيلى أن تكون بعد 7 سنوات؛ فرفضنا وقلنا إننا نريدها الآن وليس غدا لكى نعطى الشهيد حقه؛ فقالوا أن تكون 6 سنوات فرفضنا، فقالوا 5 فرفضنا وقالوا 4 إلى أن وصلنا للاتفاق حول 3 سنوات. 

وكانت هناك مرحلة انسحاب رئيسية مكونة من 9 أشهر، تم تقسيمها إلى 5 مناطق فرعية حتى نضمن سرعة انسحابهم، ولنأخذ البترول المصرى بعدما كانوا يسحبونه بانتظام، وبالفعل انسحب الإسرائيليون من ثلثى سيناء في تلك المرحلة، ومن المفارقات التي اسعدتنا وقتها أن الرئيس السادات رفع العلم المصرى على العريش قبل موعده المنصوص عليه بالمعاهدة بعد موافقة «بيجن» على ذلك؛ فالانسحاب كان يتم بآلية دقيقة، وباقى المرحلة في الانسحاب تمت في بقية الفترة المتبقية من الـ3 سنوات في 25 أبريل 1982.


الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"..
الجريدة الرسمية