رئيس التحرير
عصام كامل

حالة الرئيس


ماذا طرأ على الرئيس عبد الفتاح السيسي في مؤتمر الإسماعيلية للشباب؟ لاحظ الشعب أن المزاج الرئاسي متعكر، والإرهاق واضح واللمعة في العينين والوجه انطفأت.. ماذا جرى؟


لا اللغة هي اللغة، ولا الطلة هي الطلة، ولا الأمل هو الأمل.. حتى الحكومة، ورئيسها والوزراء الذين اعتلوا مقاعد المنصة كانوا مرهقين، باهتين، مستنفدين.. قلت لعل الإضاءة السيئة على القناة الأولى هي من طمست الوهج المعتاد، لكنى وجدت الشحوب ذاته في قنوات أخرى.. الشحوب داخلي أصلا، ومن ثم تفصد وبرز وفرش على كل الملامح والوجوه.. لم يكن مجرد تعب من وطأة الشغل.. بل زهق من قلة نتائج الشغل!

لما تكلم الرئيس، كانت نبرته حزينة، أو محبَطة، أو زهقانة، أو زعلانة، أو قرفانة، أو حيرانة؟ أو كل ما سبق مجتمعًا.. من زعّل الرئيس؟ من أغضبه وأحزنه وأصابه بالثقل والهم والغم والحزن؟

تكلم بمرارة وبصدق وبوجع وكان يشكونا لنفسه ويشكونا لنا.. وعرض أن يجمع حقيبته ويمضى إلى حال سبيله ولأيامه الخوالي لو أن الشعب لا يريده.. المستغني غنى ولو فقير.

لم يضحك الرئيس من قلبه ضحكته الفرحانة المعروفة، بل هي نفثة هواء ممزوجة بمرارات واقع لا يتغير بالسرعة التي تتناسب مع حجم ووهج الطموحات والعزائم.. يشعر الرجل أنه أمام جبل من الرمال والأحجار، تعهد بنزحه، والقوم معه، فشمر عن ساعديه بهمة وانطلق، يزيح الرمل تلا بعد تل، وحجرا بعد حجر، فلما تعب ورفع رأسه وجد نفسه العامل الوحيد، أما الباقون فيتفرجون تحت المظلة، ولا مانع من تصفيق وتهليل لزوم التشجيع ليواصل نقل الجبل وحده!

لا يجوز أن يحارب قائد الجيش وحده، ولا يجوز أن تثقل عليه قواته بمطالب خارج القدرة والإمكانية، كما لا يجوز أن تسقط همة القائد، ورجل الدولة، مهما كانت المبررات والضغوط.. الشعوب أطفال ونساء في سلوكها الجماعي، وهي اعتادت رضعات من الأمومة أو الأبوية، إن أظهر الرئيس أو القائد حنانًا مفرطًا.

الرؤساء يقودون شعوبهم نحو النصر وسط أهوال المعارك، وفي السلام يدفعونهم إلى تحقيق الأحلام، وإذا أظهر الرئيس ذراعين سقطتا بجوار جنبيه، تسرب اليأس إلى الناس.. ليس من حق الرئيس أن يلقي ذراعيه جانبا في وضع (أعمل إيه) وليس من حق الرئيس أن يزهق، أو يحبط، أو يشكونا له ولأنفسنا.. هو الرئيس.. بيده القرار.. هو يغير الفشلة والمكسحين، وما أكثرهم حوله في الوزارات والهيئات.. لقد دعونا مرارا وتكرارا إلى حسن اختيار الناس في المناصب حتى يحملوا عن الرئيس العبء، وأن يتحملوا مسئولياتهم، لا أن يزيحوها عليه.

بدا الرئيس كالأب الذي طهق من كثرة الطلبات ولا معقوليتها.

من حقه أن يطهق وأن يزعل وأن يدعو الغير لمساعدته، ولكن أول مساعدة ذاتية فورية الأثر هي أن يتخلص من وزراء عالة عليه، ومسئولين صدروا له تعقيدات البيروقراطية.. النغمة السوداء في صوت الرئيس ليست نغمة منسجمة مع دور القائد وسط المعركة.. القادة يلهمون شعوبهم ويحركون بهم الجبال.. الحمل على الرئيس ضخم وهائل، لكنه الرئيس، وهذا قدره، ولقد حمل ما هو أثقل وأخطر، حين خلصنا من مصيبة وعار الإخوان.

التوصيف الذي عرى فيه الجهاز الحكومي والأداء الشعبي هو قول رجل صادق، لا يحب الكذب، ولا عمل البحر طحينة.. علينا ألا نجعل السحابة السوداء مقيمة فوق عيني الرئيس، وعلى الرئيس أن يختار الأكفأ والأفضل، وأن يتقي الله من يرشحون له شخصيات تصلح بالكاد لإدارة مدرسة إعدادية.

أعرف روح المقاتل في قادة الجيش المصري وجنوده، والرئيس ابن أعظم مؤسسات الدولة وطنية، ولن أطلب إليه أن يصلب طوله، وأن يجمد وأن يثبت، فهو قوي وثابت وصالب طوله، بل سأطلب منه الصبر علينا كما أنه يطلب منا الصبر على آلام الإصلاح.

دموع كثيرة فاضت حزنًا على حزن الرئيس.. أولى بنا أن نجعلها عملا وإنتاجًا، عندئذ سيشعر الرجل أنه لا يحرث في الماء... ساندوا وطنكم، واسندوا ربان السفينة، فما زلنا وسط العاصفة في عرض البحر المجنون.
الجريدة الرسمية