رئيس التحرير
عصام كامل

«أوامر ملكية» لتمكين محمد بن سلمان


فاجأ خادم الحرمين سلمان بن عبدالعزيز الجميع بإصدار "أوامر ملكية" تطال الأمن والاقتصاد والعلاقات الدولية ومكافحة الفساد، ولم تغفل مكافأة الشعب والتخفيف عن المواطنين، بما اتخذه من جملة تعيينات وإعفاءات شملت الكثير من المواقع والمناصب الحساسة في المملكة.


وجدت الأوامر الملكية ترحيبا شعبيا وإعلاميا واسعا خصوصًا ما يتعلق منها بالتخفيف عن الطلاب وإعادة منح ومكافآت الموظفين، وتوسيع قاعدة توزير وتعيين أحفاد مؤسس المملكة عبدالعزيز آل سعود في مناصب حساسة، لكن لم يتوقف الكثير من الشعب عند دلالات وتداعيات جملة "الأوامر الملكية" التي اتخذت بذكاء ودهاء شديدين، راعى فيها العاهل السعودي أطياف وفئات الشعب حتى يقطع الطريق على أي محاولة للتذمر والغضب من أي طرف كان.

كسب الملك سلمان التأييد الشعبي أو على الأقل تحييد الرأي العام تجاه ما يتخذه من "أوامر ملكية" تهدف بالأساس إلى زيادة نفوذ نجله محمد بن سلمان وبسط هيمنته في المملكة.. ولأن خطة التقشف التي وضعها ولي ولي العهد محمد بن سلمان حرمت جميع موظفي الدولة من مزايا ومكافآت كثيرة، وتسببت في تراجع شعبيته، فقد قرر الملك سلمان إعادة جميع المزايا والمكافآت إلى ما كانت عليه، أولا لطمأنة الشعب على متانة الاقتصاد السعودي، ثم لضمان تأييده الأوامر الملكية وأيضًا استعادة شعبية نجله محمد.

وفي الوقت نفسه غازل الملك الأسر والطلاب بتبكير اختبارات نهاية العام الدراسي على أن تبدأ العطلة الصيفية قبل رمضان، حتى لا يعاني الطلاب من الصيام والدراسة، فوجد القرار قبولا وارتياحا، وبالنسبة للعسكريين الذين تذمروا من طول حرب اليمن، قرر الملك صرف راتب شهرين مكافأة للمشاركين الفعليين في الحرب من منسوبي وزارات الداخلية، الدفاع، الحرس الوطني ورئاسة الاستخبارات العامة. 

ولم يفت خادم الحرمين إبداء اهتمامه بمكافحة الفساد في رسالة لجميع الفاسدين بألا أحد فوق القانون، وفي سابقة تاريخية بالمملكة تم عزل وزير الخدمة المدنية وتشكيل لجنة للتحقيق معه في التجاوزات المنسوبة إليه، والتي أثبتت صحتها هيئة مكافحة الفساد بعد أن تداولها نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي.

بعد ضمان التأييد الشعبي للأوامر الملكية، أراد العاهل السعودي ترضية إخوانه وكسب ود القاعدة الكبرى من أبنائهم وهم من جيل ولي ولي العهد محمد بن سلمان "المعني بجميع التغييرات والتعيينات والإعفاءات في المناصب"، من هنا جاء تعيين مجموعة لا بأس بها منهم في مناصب كبيرة أما وزراء أو نواب لأمراء المناطق أو مستشارين للملك، وبهذه القرارات مهد العاهل السعودي الساحة لأوامر ملكية مثيرة للجدل يحكم بها قبضته على "الأمن والاقتصاد والعلاقات الدولية"، وبالتالي تمكين نجله محمد وإحكام سيطرته على الحكم.

أول القرارات ذات الدلالة تمثلت في تعيين نجل العاهل السعودي خالد بن سلمان سفيرًا للمملكة في الولايات المتحدة، لضمان السيطرة على جميع قنوات التواصل مع الإدارة الأمريكية، ووأد أي محاولة لإزاحة ولي ولي العهد محمد بن سلمان، الذي زار الرئيس ترامب وسعى لتقريب وجهات النظر بينهما، وبدا لافتا اعترافه حينها بخطورة نشاط "الإخوان المسلمين" وتأكيده أن السعودية تحارب الإرهاب وعازمة على تبني إصلاحات تواجه بها التشدد الديني، وترجم ذلك فور عودته على أرض الواقع بالسماح بتنظيم الحفلات الغنائية المتوقفة منذ سنوات.

كما يمكن قراءة تعيين خالد بن سلمان سفيرا بأمريكا، للحد من نفوذ ولي العهد محمد بن نايف حليف واشنطن القوى، الذي منحته وكالة الاستخبارات الأمريكية منذ شهرين ميدالية العمل الاستخباراتي المميز في مكافحة الإرهاب... ولا شك أن تعيين خالد بن سلمان سفيرا في أمريكا يضمن حشد الدعم الأمريكي لشقيقه محمد وهو الدعم الدولي الأهم عالميا.

تضمنت الأوامر الملكية أيضا تعيين الأمير عبدالعزيز بن سلمان، نجل الملك أيضا، وزيرًا لشئون الطاقة، ما يعني الهيمنة على النفط مصدر الدخل السعودي وعصب اقتصاده.. وبعد الاستحواذ على مصادر الدخل والعلاقات الدولية، جاء دور الأمن، لذا قرر الملك سلمان إنشاء "مجلس الأمن الوطني" ويتبع مباشرة الديوان الملكي، وبمعنى آخر تجريد ولي العهد وزير الداخلية محمد بن نايف من صلاحياته الأمنية.

وفي الوقت نفسه تعيين اللواء أحمد عسيري، مستشار محمد بن سلمان، والمتحدث باسم قوات التحالف العربي في حرب اليمن نائبًا لرئيس الاستخبارات السعودية للسيطرة الكاملة على الأمن الخارجي عبر الاستخبارات.. جميع التعيينات تهدف لتمكين محمد بن سلمان، لكن هل تعني الإطاحة بولي العهد محمد بن نايف؟!
الجريدة الرسمية