رئيس التحرير
عصام كامل

جمهورية جمصة المستقلة



من رئيس جمهورية جمصة المستقلة إلى رئيس وزراء الشقيقة الكبرى مصر.. «عفوًا، نحن لا نتبعكم».. ليس هذا عنوانا صحفيا مثيرا، ولا مبالغة غير منطقية أُطلقها من عندياتي، وليست نوعا من القراءة الخبيثة لمضمون خطاب.. بل هي الحقيقة التي أطلقها رئيس مدينة جمصة في خطاب رسمي ردا على إنذار أرسل به رئيس مجلس إدارة أكاديمية الدلتا للعلوم والتكنولوجيا، دفاعا عن حقه في تنفيذ قرار لجنة فض المنازعات الاستثمارية بمجلس الوزراء.

وأصل الحكاية كما أوردتها الأوراق الرسمية أن الدكتور محمد ربيع، رئيس مجلس إدارة أكاديمية الدلتا للعلوم والتكنولوجيا، عندما قرر مع آخرين الاستثمار في التعليم، فرضت عليهم جهة الإدارة إنشاء مشروعهم الجامعى في المنطقة الاستثمارية بمدينة جمصة.. لم يكن الطريق معبدا بالورود، خاصة وأن المنطقة المشار إليها لم تصل إليها المرافق بعد، ولا تزال صحراء جرداء بلا مياه ولا كهرباء ولا طرق.

كانت وجهة نظر الإدارة معتبرة، إذ رأت أن إنشاء جامعة في هذا الموقع من شأنه أن يغير خريطتها تماما، كما تفعل الدول الكبرى إذا ما أرادت إنشاء تجمعات جديدة.. عليها أن تبدأ بجامعة.. عكف الرجل مع رفاقه على العمل بجد، حتى صار الحلم حقيقة، وأصبحت جامعة الدلتا واحدة من أهم الجامعات الخاصة، تقدم خدماتها لقطاع كبير من الشعب المصري الذي كان يغترب في القاهرة والمدن الكبرى التي شجعت الجامعات الخاصة على العمل، وأيضا تقدم خدماتها للمجتمع المحيط، حيث ابتنت واحدا من أضخم مستشفيات طب الأسنان، يقدم خدماته بالمجان للجمهور.

تقدم الرجل لتملك الجامعة لأرضها كما هو معمول به في جميع أنحاء مصر، غير أنه واجه صعوبات بالغة، ولم يجد بدًا إلا أن يتوجه إلى لجنة فض المنازعات الاستثمارية بمجلس الوزراء، وهى اللجنة التي قررت التمليك بسعر ٣٠٥ جنيهات للمتر، وهو أقرب سعر تملكت به جامعات أخرى.. ذهب الرجل لتنفيذ القرار غير أن حظه العاثر وضع في طريقه محافظ الدقهلية السابق، الذي مارس كل صنوف التعنت ضده ولم ينفذ القرار.

توجه الدكتور محمد ربيع إلى اللجنة العليا للاستثمار، والتي يرأسها الرئيس عبدالفتاح السيسي، فقررت التنفيذ وأحقت له التملك بنفس السعر الذي قررته اللجنة الوزارية.. كان المحافظ السابق قد أُقيل في حركة المحافظين الأخيرة بسبب فشله الذريع في إدارة المحافظة، وجاء سلفه الحالي الذي سار على درب المحافظ السابق في تعطيل المشروع كاملا؛ متعللا بموقف نواب الدقهلية، وهو الأمر الذي واجههه الدكتور محمد ربيع بزيارة لجنة التعليم بمجلس النواب، وشرح الأمر وحظى بتعاطف الأغلبية.

أرسل محمد ربيع إنذارا لرئيس مدينة جمصة لتنفيذ قرارات اللجان الاستثمارية، فكان الرد صاعقة، حيث ورد فيه أن المشروعات التي تحدث عنها قانون الاستثمار هي الإنتاج الحيواني والتعدين والفنادق والنقل المبرد، والنقل الجوي، والخدمات البترولية، والمستشفيات والبنية الأساسية، وأنظمة الحاسب الآلي، والتأجير التمويلي، أما التعليم فليس من بين هذه الأنشطة.. أي أن الرجل التف على قرارات مجلس الوزراء وقرار اللجنة التي يترأسها الرئيس بافتكاسة جديدة.

والسؤال: من الذي منح الدكتور ربيع هذه الأرض؟! ومن الذي بارك العمل فيها؟! وماذا يفعل الآن وقد اتضح أن التعليم ليس استثمارا؟! هل ينقل الجامعة بمبانيها وطلابها وأثاثها، وأساتذتها وموظفيها الذين يبلغ عددهم ثلاثة آلاف وخمسمائة موظف وأستاذ وعامل؟! 

أليس المنتج التعليمي واحدا من أهم الاستثمارات التي تحتاج إليها البلاد؟ أليست جامعة للتكنولوجيا؟ أليس فيها برمجيات وأجهزة كمبيوتر وصناعة علم في كل هذه المجالات؟ أليس تابعا لها مستشفى؟ وهل يمكنه إنشاء عنبر حيوانات ومعلف ومذبح ملحق بالجامعة حتى يتملك أرضه؟ وهل السيد رئيس مدينة جمصة أعلن الاستقلال عن مصر وأصبح قراره نافذا على قرارات مجلس الوزراء والرئاسة؟!!

يقول رئيس المدينة إن بلاده -يقصد جمصة- هي موقع إستراتيجي لا يجوز فيه التملك.. إن هذه العبارة المفخخة أوقفت كل نمو وكل عمل دءوب وكل أمل في الإصلاح.. إن رئيس مدينة جمصة يعجبه أن لديه أكثر من ثمانية آلاف فدان مخصصة لمدينة صناعية واستثمارية منذ أكثر من ثلاثين عاما لم ينشأ فيها مشروع واحد بفضل هذه الرؤية العقيمة.. أرض جدباء تسكنها عفاريت الروتين وأشباح البيروقراطية العقيمة.. ثمانية آلاف فدان لم ينشأ فيها إلا مشروع جامعة الدلتا والباقي لايزال منطقة إستراتيجية ذات طبيعة حساسة، يسكنها رئيس المدينة ومحافظ الإقليم وعدد من العازفين على أنغام الإستراتيجية الوهمية.

قلبي مع الدكتورة سحر نصر، وزيرة الاستثمار، إذا كان هذا حالنا.. الوزيرة ومعها مجلس الوزراء يتخذون قرارات ليست إلا حبرا على ورق، يعتبرها المحافظون ممسحة أو مناديل تواليت.. المحافظون الذين يشكون من ضعف سلطاتهم في البناء والتنمية هم أصحاب القرارات التي توقف كل بناء.. المحافظون الذين يوقفون «المراكب السايرة» مكانهم الطبيعي ليس على كراسي السلطة.. إن هذه الشخصيات وكل شخصية توقف مشروعا لابد وأن نضعهم في متاحف.

العالم من حولنا يتحرك بسرعة الصاروخ، ونحن محلك سر.. المغرب الشقيق الذي كان يعاني فسادا مثلنا، قفز فوق جراحه ويقدم تجربة اليوم نحن أحوج إليها.. في المغرب الشقيق أصبح المستثمر لا يتعامل إلا من خلال شباك واحد.. أغلقوا كل منافذ الاستبداد والظلم والفساد.. حققوا قفزات هائلة في وقت وجيز.. في المغرب لا يلتقي المستثمر بهذا العفن، ونحن في مصر وأثناء صياغة قانون الاستثمار الجديد، تصر كل وزارة على التمسك بنصيبها في تعطيل الاستثمار.

دكتورة سحر نصر.. «قاتلي من أجل قضيتنا وقضية كل وطني غيور على بلاده.. كافحي الفساد حتى لو كان نصيبك الخروج من جهنم المنصب.. ناضلي من أجل بلد بينه وبين أكل الكلاب أقل مما نتصور.. لا تتوقفي أمام هجوم الصغار، فالذين يقتلون من أجل مبدأ لايهمهم إلا ابتغاء وجه الكريم، والكريم كريم لن يخذلك، ولن يتركك وحدك.. كلنا معك ومع كل يدٍ تبني من أجل وطن يستحق منا ما هو أكبر من العته والسفه والجنون»!!
الجريدة الرسمية