رئيس التحرير
عصام كامل

بهجت العبيدي يكتب: فك أعمال الزمالك!

بهجت العبيدي
بهجت العبيدي

لا يمكن لأمة تسعى لأن تنهض إلا أن تعلي قيم العقل، والعلم والعمل، ومن المستحيلات أن تسلم أمة عقلها للخرافات، وتشغل عقلها "وليس قلبها" بالغيبيات وأن يكون لها من التقدم نصيب، ولا في الارتقاء مكان، ولا من النهضة نصيب.


تلك مسلمات آمنت بها الأمم والشعوب التي اختارت أن تسهم بسهم حقيقي في الرقي الإنساني، وهي نفس المسلمات التي لم يفقدها عالمنا العربي والإسلامي حينما آمن بالغيبيات إيمانا قلبيا في تلك الحوادث الدينية المنسوبة إلى الإعجاز الإلهي وإلا ما كانوا قد آمنوا بها، أذكر هنا تلك الحادثة الإعجازية في الإسلام وهي الإسراء والمعراج، وكيف أن كفار مكة لم يصدقونها، وهم على حق، من الناحية العقلية، حيث لم يؤمنوا آنذاك بصاحب الرسالة!، وأنظر من ناحية أخرى أتأمل رد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، حيث أنه في تصوري إعجاز آخر، فلم يعلن تصديقه للحادثة، ولكنه أعلن تصديقه للمتحدث، في رد بليغ: لو قال فقد صدق.

إذًا الحادثة مجردة لا يمكن تصديقها، فلو افترضنا جدلا أن هذه القصة قد رويت للصدِّيق رضي الله عنه على لسان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما اظن بل أجزم أنها كانت ستكون الفراق بين الشيخين، لأن تصديق أبي بكر ليس لإمكانية وقوع الحادثة لأي إنسان، بل فقط للصادق الأمين والذي هو هنا ليس بفاعل بل مفعول به.

إن مثل هكذا معجزات في الأديان المختلفة إنما يؤمن بها القلب، ولا يناقشها العقل الذي هو آلة الإدراك التي تضبط ما يأتي به الإنسان من أفعال دنيوية، والذي يجب أن يكون في حالة وعي دائم، لتصدر عنه الأفعال الواعية، لنحصل على نتائج موضوعية، لا يمكن أن نحوزها بعقل مغيب، يسهم في تغييبه ما يصدر عن هؤلاء الذين يتصدرون المشهد في بعض الأحيان.

أذكر في إحدى الندوات الثقافية، كان ذلك منذ أكثر من ٢٥ عاما، بأحد مدرجات كلية التربية بجامعة المنصورة، التي كانت آنذاك خارج الحرم الجامعي، يشاركها في ذلك كلية الآداب التي كنت ادرس بها، دار نقاش في تلك الندوة، حول إيمان البعض بالسحر والشعوذة، للأسف الشديد، تاه مع الزمن اسم أستاذ علم النفس الذي كان يشارك في هذه الندوة، والذي قضى سنوات من حياته ضابطا في القوات المسلحة المصرية.

لقد تم طرح عدة أسئلة حول ما يطلق عليه "أعمالا"، وكذلك القدرات السحرية التي يتمتع بها البعض، لقد تركت هذه الندوة اثرا كبيرا في داخلي، لأنها ببساطة أكدت على القيمة العقلية والأدوات المنطقية التي أومن بها أشد الإيمان، وكان يدور حولها نقاشات كبيرة بيني وبين الزملاء، فإذا بها تنتصر لنا انتصارا.

لقد ظلت إجابة أستاذ علم النفس الذي قال فيها أنه لا يوجد قدرة لأي شخص يدعى السحر أن يحقق أية نتيجة أو يعيق تحقيق أي عمل أو إنجاز ضاربا مثلا بحكم عمله ضابطا بالجيش المصري: أننا لو كنا قد أحضرنا كل سحرة مصر والعالم العربي بل والإسلامي لكي نعبر من خلالهم إلى الشط الشرقي لقناة السويس التي كانت تمثل أصعب مانع مائي في العالم في معركة كانت تخطط لها القوات المسلحة المصرية، فإنهم جميعا ما كانوا لينفعونا في شيء، ولكن الذي حقق لنا نصرا ما زال يبهر العالم هو العمل والاجتهاد والتخطيط المحكم، كانت تلك الإجابة وذلك التشبيه أقرب، في تصوري، بالضربة القاضية التي يقذف بها ملاكم خصمه، فإذا هو طريح، بل من قوتها فإذا به صريع.

أتذكر من تلك المحاضرة الثقافية رد أستاذ علم النفس على سؤال يشغل العديد من المصريين، وهو فشل بعض الرجال ليلة الزفاف وغيرها في الإتيان بواجباته الزوجية، وأنه يمكن أن يستطيعها بعد أن يلجأ لشيخ! " يفك له العمل" وإذا بإجابته أيضا في إيجازها اقرب لحكمة يمكن أن يتم تدريسها حيث قال: إنه علاج للوهم بالوهم.

تذكرت تلك الندوة وانا بطبيعتي منشغل بإعلاء قيمة العقل، والأخذ بالأسباب، وإيماني القاطع أنه لا يمكن أن يكون لنا نصيب من تقدم أو تحضر إلا بإعلاء قيمة العقل والأخذ بالمناهج المختلفة المبنية على العلم، تذكرت تلك الندوة وأنا أتابع إحدى القنوات الفضائية الرياضية في مصر وإذا بالشريط الإخباري به: أن نادي سموحة يذبح عجلا لفك نحس إصابات لاعبي الفريق، وتعجبت كيف لنادي في القرن الواحد والعشرين في أحد أعرق المدن المصرية مدينة الإسكندرية التي كانت مدينة عالمية من حيث من يقطنها من الجنسيات الغربية في عهد لم يبرح الذاكرة بعد.

لم يزل عجبي بل وجدت في ذلك اتساقا مع ما يردده رئيس نادي الزمالك المستشار مرتضى منصور، الذي عزا خسائر الفريق في عدد من المرات لتلك الأعمال السفلية، الذي يلجأ إليها منافسوه، الأمر الذي يجب أن يوضع على مائدة البحث، يتم دراسته من علماء الاجتماع وكذلك أساتذة علم النفس مع مشاركة فعالة من رجال الدين الإسلامي والمسيحي على حد سواء، فلا أمل في أن يجد هذا الوطن موطأ قدم له في العالم المتحضر إلا إذا ملك هذا الوطن عقله، وأحيى به قيمه.
Advertisements
الجريدة الرسمية