رئيس التحرير
عصام كامل

قطب وكشك.. تكفيري يقود جاهلا


التكفير أسرع انتشارا بين الجهلاء من النار في الهشيم، والخوارج يناصر بعضهم بعضًا وإن لم يجتمعوا في مكان ولا زمان، ويبدو ذلك جليًا عند عبد الحميد كشك، الذي نافح زورا عن  التكفيري الأكبر سيد قطب.


وكشك من أبرع مؤلفي أسطورة «الشهيد» سيد قطب، إذ زعم «ملك الكاسيت» أن «رأس الخوارج» ذاق عذاب السعير في سجون عبد الناصر، حتى كاد أن يقول إن سيدا مات عدة مرات تحت ضرب السياط، ولو قالها فهو معذور إذ رزقه الله جمهورا يصدق كل ما يقوله حتى لو خالف بداهة العقول.

وحكى ملك الكاسيت في خطبه عن عذاب سيد ما لم يثبت ولم يذكره أحد حتى الإخوان الذين روجوا كذبا لمظلوميتهم في سجون عبد الناصر، ولا أدري اطلع كشك على الغيب أم اتخذ عند الله عهدا.

ولا أعلم هل كان عبد الحميد يدرك أن سيدًا ألف معظم كتبه داخل سجون ناصر، أم لا؟ وهل أخبروه أن إدارة السجن سمحت بدخول الأوراق والكتب لـ«رأس الخوارج» على الرغم من أنهما محرمان على السجين السياسي، بل وفرت له جوا مناسبا للقراءة والكتابة وأدخلته المستشفى بعد استعطافات بحجة أن حالته الصحية لا تحتمل الزنازين.

ولو كان كشك يدرك ذلك وينكره فقد كذب على المصلين في يوم الجمعة، وإن كان لا يعرف فقد حكم بغير علم، ولا عجب فمثله يحكم بما أشرب من هواه.

أما إعدام سيد فقد حكى عبد الحميد عنه أسطورة تنافس مآسي الإغريق، وتفوق ملحمة موت بعل وتموز، فتكلم عن الدبابات التي أحاطت بالسجن، وحالة الاستنفار، والرعب الذي دب في قلوب رجال الأمن، ولم يبق إلا أن يقول إنه لما أعدم سيد قطب غابت الشمس وصار تراب الأرض دما.. رحم الله الجميع.

وبعيدا عما حكاه كشك في مدحه لسيد، يبقى الأمر الأهم هو تزكيته لكتاب «في ظلال القرآن» إذ قال بالنص في إحدى خطبه: «كنت أريد أن أرى هذا الرجل.. أرى هذا العملاق الذي فسر القرآن كأنه تفسير تنزل عليه من السماء وأين فسره؟ لم يفسره في الهيلتون ولا في الشيراتون ولا في مينا هاوس ولكنه فسره في زنزانة في سجن طرة».

ومن المعلوم من الدين بالضرورة أن الوحي انقطع بموت النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف يكون كلام سيد «كأنه تفسير تنزل عليه من السماء»، ولكن لا مانع أن نحسن الظن بالرجل ونقول: إنه قال «كأنه»، ونعد ذلك مبالغة رجل ليس له من البلاغة نصيب.

الغريب في الأمر أن هذا الكتاب الذي وصفه ملك الكاسيت بأنه وحي من السماء قال فيه سيد: إن القرآن مخلوق إذ قال «والشأن في هذا الإعجاز-(أي القرآن)-هو الشأن في خلق الله جميعًا وهو مثل صنع الله في كل شيء وصنع الناس»، كما قال عن الحروف المقطعة في القرآن، وعن الإعجاز في هذه الحروف: «ولكنهم لا يملكون أن يؤلفوا منها مثل هذا الكتاب؛ لأنه من صنع الله لا من صنع إنسان».

وقال في معرض حديثه عن سورة (ص) ما نصه: «وهذا الحرف «صاد» يُقسم به الله سبحانه كما يقسم بالقرآن ذي الذكر، وهذا الحرف من صُنعَة الله، فهو مُوجِدهُ صوتًا في حناجر البشر»، ويقول: «والفارق بين القرآن وما يصوغه البشر من هذه الحروف من كلام، هو كالفارق بين صنعة الله وصنعة البشر في سائر الأشياء، صنعة الله واضحة مميزة، لا تبلغ إليها صنعة البشر في أصغر الأشياء».

ويقول عن مجمل القرآن ما نصه: «إن القرآن ظاهرة كونية كالأرض والسماوات»، أي إنه مخلوق من ضمن مخلوقات الله كالسموات والأرض.

والسؤال هنا.. محنة خلق القرآن معروفة للجميع، وقتل فيها كثير من العلماء، وجلد الإمام أحمد بن حنبل حتى سقط لحم ظهره، لا لشيء إلا لأنهم رفضوا القول بخلق القرآن، فهل كان كشك يرى سيدًا أفضل من هؤلاء جميعا بمن فيهم ابن حنبل؟! سؤال أظن أن جوابه عند المتأسلمين الغاضبين من تفنيد أخطاء كشك.

وما سبق فيض من غيض أما الطامة الكبرى فهي تكفير «رأس الخوارج» لكل الناس في الظلال الذي يرى كشك أنه كاد أن يكون وحيا منزلا من السماء؛ إذ يقول سيد في كتابه: «لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاء هذا الدين بلا إله إلا الله، فقد ارتدت البشرية إلى عبادة العباد وإلى جور الأديان، ونكصت عن: لا إله إلا الله»، وهكذا صار الناس جميعا كفارا بجرة قلم من رأس الخوارج، وهو ما ارتضاه عبد الحميد كشك ولم ينكره في خطبه ولا في كتبه وزكاه ومدح صاحبه.

ويقول سيد أيضًا: «إنه ليس على وجه الأرض اليوم دولة مسلمة، ولا مجتمع مسلم، قاعدة التعامل فيه هي شريعة الله، والفقه الإسلامي».. لا تعليق فهوى النفس يضل العقل والقلب.

الشاهد هنا أنه من المستبعد عدم اطلاع كشك على كتاب سيد، أم تراه مدحه مع جهله بما في الظلال من طوام، وإن كان اطلع عليه أفهذه عقيدة كشك، أن الناس كفرة مرتدون، وليس على وجه الأرض مؤمن واحد، أهذه النصوص السوداء العمياء دين يحاسب عليه الناس يوم القيامة؟!

الأعجب من كل ما سبق أن كشك باعتباره أبرز دعاة التكفير كان جاهلا بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وعلمه بأحاديثه ضحل، إذ لا يكاد يعرف صحيحها من سقيمها والدليل أنه كثيرا ما احتج في خطبه ودروسه بأحاديث ضعيفة بل موضوعة، وهو ما لا يخفى على أي طويلب علم، فضلا عن العلماء.

ونضرب للمدافعين عن كشك ما هو على سبيل المثال وليس الحصر من الأحاديث الضعيفة التي ذكرها في خطبه، أبرزها ما ذكره أن النبي صلى الله عليه وسلم «ابنَ آدَمَ عِنْدَكَ ما يَكْفِيكَ وأنْتَ تَطْلُبُ ما يُطْغِيكَ لا من قليل تقنع ولا من كثير تشبع»، وهو حديث رواه عبد الله بن حكيم الداهري وهو متهم بالوضع.

حديث «الأغنياء وكلائي والفقراء عيالي فإذا بخل وكلائي على عيالي أخذتهم ولا أبالي» وهو حديث لا أصل له.

وروى كشك عن على رضي الله عنه أنه قال للنبي «وأنا أحب ثلاثة يا رسول الله: أحب إكرام الضيف، وصيام رمضان بالصيف، وقتال المشركين بالسيف» وهو حديث لا أصل له.

قال عبد الحميد إن رسول الله قال: «إذا زرتم المريض فنفسوا له في الأجل، فإنه يريح نفسه، ولا يغني شيئا» وهو حديث إسناده شديد الضعف.

والحق أننا لا نعلم هل المتأسلمون الذين احمرت أنوفهم غضبا عندما كشفنا حقيقة كشك في مقالنا السابق يوافقون على ما ذكرناه من تكفيره للناس وجهله بسنة النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم؟ وهل كان عبد الحميد أهدى مما كان عليه رسول الله.

ومما سبق يتضح لنا أن عبد الحميد كشك كان جاهلا بالسنة، وهو ما جعله مهيأ لقبول أفكار سيد قطب التكفيرية، بل تزيينها لمريديه في المسجد وعبر أشرطة الكاسيت، ولو كان لديه قليل من علم لرد أفكار رأس الخوارج وحذر الناس منها، ولكن أنى له وبضاعته في العلم مزجاة!
الجريدة الرسمية