رئيس التحرير
عصام كامل

«هرى» آية حجازى!


الله يلعنها مواقع التواصل. نشرت الهرى، وأصدرت قرارات نهائية بتعيين مليون خبير سياسي، وألوف المحللين.

الهرى في موضوع آية حجازى نموذج. الدنيا مقلوبة، بلا معلومات ولا تفاصيل. لكن على مواقع التواصل، مليون تفصيل، وألوف التحليلات. الأزمة أن "مواقع التواصل" أصبحت مصادر معلومات. المشكلة أنها تحولت لمنصات مصدقة، وبؤر"معلومات" ذات مصداقية، مع أنها في الواقع بلا مصداقية ولا يحزنون.


الأزمة الثانية أن إعلامنا تحول إلى مراية لمواقع التواصل، فانتقل هرى السوشيال ميديا للفضائيات، والنتيجة أن الراى العام انضرب في مقتل. لذلك دخلنا عصر "الغمامة".

ربنا يكفيك شر عصر الغمامة. "الغمامة" مصيبة اجتماعية. هرى مواقع التواصل مصيبة أخرى. في مصر لم يعد هناك رأي عام. لا يمكن أن تعرف اتجاهه، ولا تحدد له موقفا.

في الدول الساعية للنمو أهمية الرأى العام قصوى، الشرط أن يكون للرأى العام توجه، مبنى على حقائق، وينطلق من وجهات نظر حقيقية، لا مستمدة من آراء شخصية من سوشيال ميديا.. وفيس بوك.

موضوع "آية حجازى" سوف يُغلق، مثلما فتحوه. مثلما موضوعات أخرى أغُلقت، ومثلما موضوعات أخرى فتحوها و"سكروها" بلا داعى ولا سبب.. ولا نتيجة أيضا.

حتى لو"آية حجازى" جاسوسة، أليس من حق الدولة التعامل مع الجواسيس ومصائرهم، وفق توجهاتها ومصالحها؟ أليس من حق الدولة اختيار أوراقها وإدارة صفقاتها، مهما كانت تلك الصفقات، وتفاصيلها وأشخاصها؟

من قال إن ما تفعله الدول لابد أن يلقى قبولا على مواقع التواصل؟ من الذي قال إن مواقع التواصل لابد أن تكون معيارا لحسن تصرفات الدول وسياساتها؟ من قال إن الإفراج عن "آية حجازى" كان رسالة" للمصريين" ليس رسالة لأوباما وإدارته؟

سبق وطالب أوباما أكثر من مرة، وطلبت هيلارى أكثر من مليون مرة الإفراج عن آية، لكن مصر لم توافق. ما الذي يمنع إعادة صياغة الإدارة المصرية لطريقتها في التعامل مع الإدارة الجديدة في البيت الأبيض كما ترى، بعد تغير الظروف؟

أسوا مراحل "الشعبوية" نعيشها السنوات الأخيرة. وضع الشارع نفسه محل صانع القرار. اختار من النيات أسوأها، لإدانة صانع القرار. من أول" تيران وصنافير".. وانتهاء بقصة آية حجازى.

فيس بوك موجود في العالم، لكن حالة الغليان "الشعبوى" تبعنا، لا تظهر إلا في دول قليلة. حالات افتراض "سوء النية" في الإدارة لا تظهر إلا عندنا أيضا، في أزمة تيران وصنافير حّول "فيس بوك" خالد على لمواطن أكثر وطنية من الجيش ووزراء الوزارة، ونواب البرلمان. من كان له تلك السلطة في حسم تلك المعادلة؟ وكيف يمكن اختبار نتيجة مثل هذه؟

أحكام مواقع التواصل ليس فيها استئناف، وليست خاضعة للاختبارات "الشعبوية" التي تضرب المجتمعات على هذا النحو تظل مصدرا للقلق، وأس البلاوى.

آخرة جدل "فيس بوك" في الغالب لخبطة في "الجبهة الداخلية"، وتوجهاتها، والنتيجة على المدى الطويل أسوأ من الكوارث الطبيعية.

افتراض سوء النية في الإدارة "عمال على بطال" لابد أن يوضع في الحسبان أيضا. صحيح كثير من السياسات قد تكون محل جدل وخلاف. لكن هناك فرقا بين الخلاف وبين التخوين. فارق كبير بين "الاختلاف" مع الإدارة، وبين اتهامها بالخيانة.

من يتهم إدارته "بالخيانة" إلا نحن؟ من أكثر منا يرفع قضايا خلافية على رأسه ويزعق؟

ما الذي يجعل مسألة "آية حجازى" تميل ناحية الاتهامات؟ ما الذي يجعل الموضوع بعيدا "عن الصفقات العليا" بصرف النظر عما إذا كنا نعرف التفاصيل، أو لا نعرف التفاصيل؟

ليس هذا دفاعا، بقدر ما هي استفهامات عن طبيعة المصير الذي يمكن أن تؤدى إليه "شعبوية"، كانت مواقع التواصل الاجتماعى أبرز ملامحها؟

سبق وجعلت مواقع التواصل من "6 أبريل" شباب طاهر أبهر العالم بثورته. سبق وحولت "الإخوان" لمرادف للحكم المدنى. السوشيال ميديا هي التي رفعت صورة "محمد مرسي" تحت شعار: أول"رئيس مدنى منتخب"!
ثقافة مواقع التواصل كالجريمة.. لا تفيد!
wtoughan@hotmail.com
twitter: @wtoughan
الجريدة الرسمية