رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

مصر والإرهاب في ثلاثة عصور!!


في البداية لابد من التأكيد على أن الجماعات التكفيرية الإرهابية هي أداة استعمارية بالأساس، حيث قرر الاستعمار القديم الذي كانت تقوده في مطلع القرن العشرين الإمبراطورية البريطانية، تشكيل أول جماعة إرهابية تتدثر برداء الدين الإسلامى، مع أن الإسلام منها براء، فكانت نشأة جماعة الإخوان المسلمين في مصر عام 1928 على يد شاب صغير السن في مقتبل العقد الثالث من عمره يدعى حسن البنا، يعمل مدرسا للغة العربية بمدرسة ابتدائية بمحافظة الإسماعيلية، حيث تلقفته أجهزة الاستخبارات البريطانية عبر مندوبها بشركة قناة السويس، ودعمته للقيام بالمهمة المرتقبة، ويعترف حسن البنا ذاته أنه قد تلقى مبلغ خمسمائة جنيه مصري من رئيس شركة قناة السويس لبناء أول مسجد للجماعة بمدينة الإسماعيلية على شكل تبرع من الشركة له.


وكانت بريطانيا ترغب في ربط المستعمرات معها بحبل سري، حتى إذا تصاعدت حركات التحرر الوطنى، واضطرت للخروج العسكري تبقى أدواتها الاستعمارية باقية، عبر عدة بوابات منها الاقتصادى والثقافى والتعليمى والأمني، وكلها أشكال للاستعمار في ثوبه الجديد، لذلك لا عجب أن يظل حتى اللحظة الراهنة فرع التنظيم الدولى لجماعة الإخوان الإرهابية في لندن من أقوى الفروع التي لا يقترب منها أحد، وتلقى دعما على أعلى مستوى من الحكومة البريطانية، وبتراجع بريطانيا كإمبراطورية عظمى، وتقدم الولايات المتحدة الأمريكية لتحل محلها على المستوى الدولى، فقد قامت أجهزة مخابراتها بمد جسور التعاون مع هذه الجماعة والجماعات الأخرى الوظيفية التي خرجت من تحت عباءتها.

ومنذ ظهور الجماعة على ساحة المجتمع المصرى في ظل الاحتلال البريطانى الذي ساعدها على التغلغل، وبناء النفوذ داخل البنية المجتمعية المصرية، وهى تمارس الإرهاب عبر تنظيمها السري، والذي هو ميليشيا مسلحة أقامها حسن البنا، بتعليمات من الحاكم العسكري البريطانى تحت مسمى "فرق الرحلات" وهى فرق شبه عسكرية كانت تتلقى تدريبات على حمل السلاح وممارسة العنف، وكانت كل عملياتها قبل قيام ثورة 23 يوليو 1952 تحديا للسلطة السياسية، وطرح نفسها كبديل لها، أسفرت عن عدة اغتيالات كان أبرزها اغتيال رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي في عام 1948 فرد الملك باغتيال مؤسس الجماعة حسن البنا في عام 1949.

وبقيام الثورة ومطالبتها للاحتلال البريطانى بالجلاء، كانت الجماعة جاهزة لإفشال الثورة الوليدة، فكانت محاولة اغتيال قائد الثورة جمال عبد الناصر في 26 أكتوبر 1954 بميدان المنشية بالإسكندرية، أثناء إلقائه خطاب بمناسبة توقيع اتفاقية الجلاء مع بريطانيا، فكانت أول مواجهة حقيقية للجماعة مع السلطة الجديدة، حيث جرت أكبر حملة اعتقالات للإخوان الإرهابيين، استمرت لما يقرب من عام ووصلت إلى 2943 معتقلا، كان في مقدمتهم قيادات الجماعة وما يقرب من 70% من أعضاء التنظيم السرى المسلح البالغ عددهم سبعمائة عضو، بناء على بيانات قدمها البكباشي زكريا محيي الدين عضو مجلس قيادة الثورة للصحف في ذلك الحين، وشكلت محكمة عسكرية عاجلة لمحاكمتهم، وكانت تلك الإجراءات هي الضربة الأكبر للجماعة، مما دفع غالبية أعضائها للكمون أو الهجرة، وهو ما سمح للثورة بالتمكن من إقامة مشروعها التنموى الوطنى دون أي قلاقل بالداخل، عبر هذه الأداة الاستعمارية الإرهابية.

وجدير بالذكر أن هناك محاولة أخرى للجماعة في العام 1965، تم مواجهتها بقوة أيضا، وتم فيها إعدام سيد قطب أحد أشهر منظرى التكفير من أبناء هذه الجماعة، والأستاذ الذي تعلمت منه كل التنظيمات الإرهابية اللاحقة عبر كتابه الشهير "معالم في الطريق " وكانت محنة كبيرة للجماعة لم تفق منها إلا برحيل الزعيم جمال عبد الناصر.

وجاء الرئيس السادات للحكم لننتقل إلى مرحلة جديدة وعصر جديد، حيث بدأت الهيمنة الأمريكية، وقرر الرجل أن يتخلى عن المشروع التنموى الوطنى لصالح مشروع التبعية، وبالتالى برزت التعليمات الأمريكية لتمكين هذه الأداة الاستعمارية للعودة للعمل من جديد، بعد أن قام جمال عبد الناصر بتعطيلها طوال فترة حكمه، فقام السادات باستدعاء مرشد الجماعة عمر التلمسانى، وعقد معه صفقة يقوم فيها بالإفراج عنهم وإطلاق يدهم داخل المجتمع، على أن يساعدوه في مواجهة خصومه السياسيين الذين يتمسكون بالمشروع التنموى الوطنى، ويرفضون مشروع التبعية الأمريكى، ونجحت الخطة الاستعمارية الجديدة وحل الوطنيون من خصوم السادات السياسيين محل الإرهابيين في السجون والمعتقلات.

ومنذ ذلك التاريخ والجماعة يتمدد مشروعها ويتغلغل داخل بنية المجتمع بدعم مخابراتى أمريكى وتمويل خليجى عبر آليات متعددة، منها الأعضاء المهاجرون من الجماعة أثناء حصار عبد الناصر لهم، حيث قاموا بتشكيل ثروات ساعدتهم كثيرا في بناء نفوذهم عند العودة في عصر السادات، وخلال سنوات السبعينيات كانت الجماعة قد أخرجت العديد من الجماعات الإرهابية الصغيرة من تحت عباءتها، كان أشهرها جماعة صالح سرية التي عرفت بتنظيم الفنية العسكرية عام 1973، ثم جماعة شكرى مصطفى المعروفة بالتكفير والهجرة عام 1977، ثم جماعة الجهاد التي قتلت السادات ذلك الرجل الذي أطلق سراحهم دون أن يعى أن نهايته ستكون على أيديهم.

وبرحيل السادات بدأ عصر جديد استمرت فيه الجماعة الأم وأبناؤها يلعبون مع السلطة السياسية لعبة(القط والفأر)، حيث استمرت سياسة عقد الصفقات بينهما، والتي بدأها الرئيس السادات فكل منهما أداة من أدوات المشروع الاستعمارى الأمريكى الذي لا يرغب في نهضة وتنمية حقيقية لمصر، وكانت النتيجة هي اتساع نفوذ الجماعة الإرهابية حتى تمكنت في لحظة من القفز إلى سدة الحكم، لكنها لم تستمر طويلا بفضل الشعب والجيش معًا.

والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة الآن كيف نتعامل مع الإرهاب؟ والإجابة تتلخص في أننا لابد أن ندرك أن المعركة مع الإرهاب مزدوجة، فهو أداة استعمارية كما أكدنا منذ البداية، لذلك لا يصلح معها سياسة المهادنة والصفقات بل يجب ضربها بقوة وعنف كما فعل الرئيس جمال عبد الناصر، وفى نفس الوقت لابد من التخلى عن مشروع التبعية الأمريكية، والإسراع في اتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة أدواته الاقتصادية في الداخل، والتي تساوى حجم ثرواتها المسروقة والمنهوبة من قوت الشعب، إجمالى الدين الداخلى الذي يقدر بما يقرب من ثلاثة تريليونات جنيه، والدين الخارجى الذي يقدر بما يقرب من ستين مليار دولار، وبعد ذلك يأتى الدور لمواجهة منظومة الثقافة والتعليم والقيم التي اختلت خلال عصري السادات ومبارك، وجعلت قطاعات واسعة من المجتمع تتبنى إما أفكار الغرب الاستعمارى أو أدواته التكفيرية والإرهابية بالداخل، ومن هنا تكون البداية لإعادة بناء المشروع التنموى الوطنى، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
Advertisements
الجريدة الرسمية