رئيس التحرير
عصام كامل

الأزهري.. والمتأزهر!!


ينبغي أن يُعلم أن هناك فارقا كبيرا بين الأزهري الذي يلتزم بمنهج الأزهر الشريف وأخلاقه، والذي يُمثل في حقيقته صورة مشرقة لأخلاق الإسلام وعلومه، وبين المتأزهر الذي يُنسب إليه زورا، أو ينحرف عن منهجه الواضح المبين، وفيما يلي بعض الفروق بينهما:


1- الأزهري الحق هو من يسعى في اجتماع الأمة وانتظام صفوفها، وجمع كلمتها ووحدة أبنائها، عملا بقول الله تعالى:"{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]"، وقوله تعالى"{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات: 10]، فهو ساعٍ بكل قوته إلى الوحدة والاجتماع، وينبذ كل فرقة يراها أو اختلاف.

أما المتأزهر فهو من يدعو إلى التفرقة العنصرية، أو الجماعات والتحزبات العصبية، فهو اليوم مع هذا ضد ذاك، وغدا مع ذاك ضد هذا الذي كان من الأحباب، ثم هو يستخدم النصوص ويحرفها عن مواضعها، فيضرب لمن يرى أفعاله أسوأ الأمثلة، ويظنونها بفعله شرعية.

أما قرأ يومًا الحديث الصحيح: «تَرَى المُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى"، فجسم أقامه الشرع كيف يمزقه العبد؟

أما علم أنه بفعلته قد أساء للأزهر الذي علمه، ورباه وأنشأه، فهل يريد أن تهتز ثقة الناس في سماحة الأزهر ويسره، ووسطيته واعتداله ورفقه؟

2- والأزهري الحق هو من يعرف للأزهر مكانته، ويفتخر به في كل مكان ويعرف له حرمته، فالأزهر الشريف قلعة العلم والعلماء من قديم، ومرعى خصبا للوسطية والاتزان في الجديد والقديم، أرادوه رافضيا فأبى الله إلا أن يتسنن، واتخذ من اليسر منهجا قلما يتكرر.

والأزهري هو من يسعى بكل ما أوتي لإصلاح الأزهر وتجديده، ورفع بنيانه وتشييده، فما جزاء الإحسان إلا إحسان مثله، وما جزاء الكرم إلا حملة ورده، وقد شكر الله لامرأة سقت كلبا رأته يلهث من شدة العطش فغفر لها، وشكر لرجل وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ، فغفر له أيضا، هذا الخالق العظيم يشكر، فما بال المخلوق لا يشكر ولا يحسن!

أما المتأزهر فهو الذي يأكل من خيره ثم يقتله بسيفه، ويعتلي جسده ويخنقه بحبله، أو يتركه صيدا بين يدي أعدائه يقطعونه فلا يتكلم، ويمزقونه فلا يتحرك، وهذه خسة ودناءة لا يعرفها أهل الخير، ولا يحمدها فاجر أو برّ.

3- والأزهري الحق هو من يسهر الليالي يفكر كيف يرتقى بأزهره، ويفكر في السلبيات، وكيف يحل مشكلاته، فهو معه بقلبه وقالبه، وصبحه وليله.

الأزهر عنده حصن للإسلام عظيم، وباب من أبواب الخير عريض، وبصلاحه تنصلح الأمة كلها، وبضعفه تتفرق الأمة ويظهر هزالها.

والمتأزهر لا يفكر فيه بالمرة، ولا يأتي على باله ولو مرة، فهو يأكل وينام، وأزهره يئن مما صنعته به الأنام.

4- والأزهري الحق هو الذي يحترم وجهات النظر، ويقبل الآراء المختلفة إذا صدرتْ من شخص يمتلك قواعد عقلية صحيحة، وكان غرضها النفع العام والمصلحة، ومن ثم فهو شخص سوي واسع الفكر والصدر، نافع لدينه وبلده، فلا يحجر على أي إنسان في بحثه، بل يدعه يبحث ثم يناقش نتائجه على قواعد العلم والأدب، فلعله يُلقي إليه فكرة، أو يوحي إليه بخاطرة ودرة.

فأبو هريرة -رضي الله عنه- كان يرى أن يعقد مجالس للتحديث، فيجلس ويحدث الناس بحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سردا، وكانت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- لا ترى أن تُعقد مجالس للتحديث بهذه الصورة؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يسرد الحديث بهذه الصورة.

والمتأزهر يتعامل مع المخالف كما يتعامل السوقة، لا يقصد نصحه وإرشاده، بل كسره وإيلامه.

5- والأزهري الحق هو من يدعو إلى إحياء التعاليم الدينية التي اندثرت، والعودة بالموجود إلى منبع صفائه، وتنقية السنة من المناكير والأوهام التي شابتها، وتخليص الدين من الأفكار التي نسبت إليه زورا، وأن يميز في خطابه بين البدع والأخطاء، والصغائر والكبائر، والعقائد والفقهيات، وأن يتكلم في المجمع عليه ويتجنب المختلف فيه، ويقدم العذر للمخالف متى كان له دليل ولو كان ضعيفا؛ لأنه ما قصد الباطل، بل قصد الصواب ولعله أخطأه، ويظل يدعو إلى الاحترام والتفاهم بين طوائف الأمة، ويستمر خطابه يدعو إلى التسامح، ونهضة الأمة، وتحريك العقل، والدعوة إلى العمل الدءوب لخدمة الوطن.

والمتأزهر يتخبط في فكره، كل يوم هو في واد، واختلاف فكري وتنازع آراء.

وللحديث بقية إن شاء الله تعالى..
الجريدة الرسمية