رئيس التحرير
عصام كامل

اتفقوا.. من فضلكم!


دعونا نتفق على أن الخطر الذي تواجهه مصر أكبر بكثير من أن يواجه بالإجراءات الأمنية وحدها، وإنما أن تشمل المواجهة كل المجالات التعليمية والثقافية والاجتماعية، فهي حرب شاملة تستدعي استنفار كل طاقات الأمة وتوجيهها نحو تحقيق هدف واحد.. هزيمة الإرهاب.


دعونا نتفق على أن الوطن كله مستهدف، والعدو يسعى إلى إسقاط الدولة المصرية، والإرهاب لا يفرق بين المسلمين والأقباط، وعلينا أن نتفق في الوقت نفسه أن المصريين الأقباط تحملوا فوق ما يستطيع البشر تحمله، إما لأنهم «كفار» أو لتأييدهم ثورة ٣٠ يونيو «الانقلاب»!

دعونا نتفق على أن تحميل الأزهر وحده مسئولية تنامى الإرهاب، ليس عادلا، وأن الخطاب الدينى وحده ليس قادرا على صد الهجمات البربرية التي تمول من الخارج، وينفذها انتحاريون جدد ليس لهم ملفات لدى أجهزة الدولة.. ليفجروا المجتمع كله، وأن الدولة بكل مؤسساتها التشريعية والتنفيذية والتعليمية والقضائية، تشارك في مسئولية المواجهة، دون إغفال دور المواطن البسيط أيضا.

ولا يعنى ذلك التقليل من أهمية الخطاب الدينى وتجديده ولا أن حصار شيوخ الأزهر المنتمين للجماعة ليس مهما، لكن الأمر المؤكد أنها لا تكفى وحدها للمواجهة.

دعونا نتفق على أن السياسات المتبعة أدت إلى استبعاد قطاع من الجبهة المساندة لثورة يونيو، عن المشاركة الجادة، بسبب اختلافات الرؤى.. وما كان ينبغي «أن يفسد الخلاف للود قضية» وأن يصل إلى حد القطيعة وتقديمهم للمحاكمات، وفق قوانين صدرت منذ عشرات السنين، في أزمنة الدولة الاستبدادية، ولم تعد تتفق مع العصر، ويبدو أن خطوات التصحيح التي بدأت الدولة في اتخاذها، والإفراج عن المسجونين الذين لم يشاركوا في أحداث عنف، تجد مقاومة شديدة من بعض المحسوبين على النظام، لذلك يبدو التحرك في هذا الاتجاه بطيء للغاية، بينما المصالحة تتطلب الإسراع في اتخاذ خطوات تعيد التيار المؤيد للثورة إلى أحضان الدولة، بالرغم من الاختلافات في الرؤى التي تعتبر ظاهرة صحيحة.

ودعونا نتفق على أن الدولة التي تنص مواد دستورها على أنها مدنية.. تتهاون في التعامل مع تيار الإسلام السياسي، وتترك السلفيين حرية إقامة حزب دينى، كما لا تواجه تحريض شيوخهم ضد المصريين الأقباط، وتترك لهم مساجد خاصة يؤدون بها الصلاة ويطلقون من على منابرها الفتاوى التي تكفر المجتمع كله، ولا يتوقفون عن إشعال الفتنة الطائفية بين المصريين.

دعونا نتفق على أن الإعلام الذي كان مشاركته الواضحة في التهيئة لثورة يونيو واقتلاع حكم الإخوان بوعى بالغ وكفاءة مهنية تراجع عن دوره التعبوي في معركة الإرهاب إما باستضافته رموزًا سلفية تبث أفكارها التكفيرية أو بإذاعة شائعات تخدم التيار المعادى للدولة المصرية وحتى لو افترضنا حسن النوايا، فإنها تدل على فوضى إعلامية حان الوقت لتنظيمها.

دعونا نتفق على أن الدولة لا تتعامل مع كل مواطنيها بالعدالة المطلقة، وأنها تفرق بينهم ما يجعل المواطنة مجرد شعار لا يطبق على أرض الواقع، والدليل أنه لا يسمح للمصريين الأقباط تولى بعض المناصب القيادية وفقا لمعيارى المواطنة والكفاءة وأنهم عانوا متاعب عديدة من استبدال القانون بالجلسات العرفية التي لا تحقق العدالة الكافية.. وأن تصحيح تلك الأوضاع المؤسفة لم تعد تحتمل التأجيل.. حتى يشعر كل مواطن في مصر.. أن له نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات.

دعونا نتفق على أن القوانين الحالية ليست كافية لتحقيق العدالة الناجزة.. وأن الوقت حان لأن يؤدى مجلس النواب دوره في إصدار تشريعات جديدة تتناسب مع التحديات التي تواجهها مصر... اتفقوا.. يرحمكم الله.
الجريدة الرسمية