رئيس التحرير
عصام كامل

إيفت شولتا سفيرة لاتفيا بالقاهرة: مصر تعمل جاهدة لاستعادة الثقة في اقتصادها

فيتو

  • لا أخفى إعجابى بتمكن القاهرة من اعتماد دستور جديد وإجراء انتخابات برلمانية ديمقراطية وإطلاق إصلاحات اقتصادية طموحة خلال فترة وجيزة
  • مستقبل مصر وثروة شعبها الآن في أيدي ملايين الموظفين بالقطاع العام.. وحكومتها الحالية تواجه العديد من المشكلات طويلة الأمد
  • 50 شركة لاتفية تعمل في التبادل التجاري مع مصر.. وفخورة بالقول إن شركات تكنولوجيا المعلومات اللاتفية تولت حل مشكلة الغش في البطاقات البنكية المصرية
  • عرضنا على الحكومة المصرية منذ يونيو الماضي تقديم خبراتنا لها في تصنيع القطارات والترامات.. ونسعى لتصبح لاعبا رئيسيا وموردا للقطارات المصنوعة محليا




من الكلمة الأولى لها في الحوار، يتضح أنها تدرك أهمية البلد الذي تعمل فيه، ليس هذا فحسب، لكن إجاباتها المتتالية، ورؤيتها العميقة للواقع والمجتمع المصرى، تكشف أيضًا أن الأمر يتعدى حدود المهام الوظيفية، ويصل إلى الرغبة في المشاركة بإنجاح المجهودات الجبارة التي تبذلها مصر، حكومة وشعبا، للتغلب على الأزمات الاقتصادية التي تواجه البلاد.

وما بين رؤيتها للسنوات الماضية والأحداث التي شهدتها بحكم موقعها الدبلوماسى في مصر، وتحليلها للقرارات والخطوات التي تتخذها البلاد للنهوض من عثرتها الاقتصادية، دار الحوار مع إيفت شولتا، سفيرة "لاتفيا" في القاهرة، التي قدمت رؤية واضحة لموقف بلادها من الداخل المصرى، كما ألقت الضوء على النقاط التي تلتقى فيها مصر مع "لاتفيا"، خاصة فيما يتعلق بالأمور الاقتصادية التي ترى أن القاهرة تسير في طريق تحسينها على أكمل وجه.

سفيرة "لاتفيا" كشفت أيضًا –وبالأرقام- حجم التبادل التجارى بين بلادها والقاهرة، وقدمت ما يمكن وصفه بـ"خارطة طريق اقتصادية"، يمكن حال الاستعانة بها رفع معدلات التعاون الاقتصادى بين بلادها ومصر.. وعن تفاصيل هذا الأمر، وأمور أخرى كان الحوار التالى:

شهدت مصر تغيرا ملحوظا خلال الأعوام الست الماضية.. من واقع متابعتك للأمر بحكم منصبك كيف ترين ذلك؟
وصلت إلى مصر عام 2012، وهو عام اتسم بالاضطرابات، ولذلك لا أخفى إعجابى بالتطور السريع، حيث تمكنت مصر خلال فترة وجيزة من اعتماد دستور جديد وإجراء انتخابات برلمانية ديمقراطية، وإطلاق إصلاحات اقتصادية طموحة ملحة بشدة من أجل مستقبل اقتصادي مزدهر ومستقر.

كما أننى واثقة من أن مصر، بعملها المتواصل وتصميمها، ستتمكن من التغلب على التحديات الاقتصادية والاجتماعية بنجاح، وأتمنى أن تكون أولويات الشراكة بينها والاتحاد الأوروبي مفيدة في هذا الصدد.

ماذا عن تقييمك الإصلاحات الاقتصادية التي اعتمدتها القاهرة خلال الأشهر الماضية؟
مصر تعمل بجدية لاستعادة الثقة في اقتصادها، وإعادة إحيائه من جديد، لكن الحكومة الحالية تواجه العديد من المشكلات طويلة الأمد، بما فيها النمو غير المنضبط لنفقات الدولة، الغضب العام، ضعف الضرائب، الهيكل الاقتصادي الضعيف، وقطاع التصدير المتداعي.

وفي الوقت نفسه، تعتبر الأزمات فرصة للتغيير، ومصر لديها هذه الفرصة اليوم، ففي أي بلد صغير أو كبير تُقاس صحة اقتصاد الدولة وفقا لثلاثة مؤشرات رئيسية هي «عجز ميزانية الدولة، التضخم، والديون الخارجية»، حيث يعتبر العجز الضئيل والمناسب في الميزانيات، والذي لا يتعدى 3%، أمرًا شديد الأهمية، ولذلك كان قرار "تعويم الجنيه" أكبر خطوة اتخذتها في مواجهة ذلك.

وكانت خطوة التعويم شديدة الجرأة، حيث تركت للحكومة مواجهة الكثير من التحديات على رأسها التضخم، وبغض النظر عن تركيز مصر الحالي على الإصلاحات الاقتصادية فإنه من الضروري أيضًا تعزيز القدرة التنافسية للسلع المصرية، والعمل على زيادة الصادرات وتحسين مناخ العمل وتقليل البيروقراطية.

من وجهة نظرك.. هل تستطيع الدولة حل مشكلة عدم الكفاءة بالخدمة المدنية والقطاع العام؟
مستقبل مصر وثروة شعبها الآن في أيدي ملايين الموظفين بالقطاع العام، فهم المسئولون عن تنفيذ قرارات الحكومة، وهم قبل كل شيء مواطنون مصريون مهمتهم خدمة الشعب، وفي أيديهم مصيره وبإمكانهم منع تنفيذ أي تغييرات تريدها الحكومة أو أحد الوزراء حال امتناعهم عن معاونته في تنفيذه.

وفي حالة الأزمات، يعتبر توفير الضمانات لدعم الفقراء والصناعات المحلية أمرًا شديد الأهمية، فثروة مصر يمكن أن تتمثل فقط في شعبها ومواردها، كما أننى أعتقد جديا أن استثمار الطاقة البشرية يجب أن يلعب دورا مهما في التنمية الاقتصادية بمصر.

كم عدد الشركات اللاتفية التي تعمل في مصر؟ وكم يبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين؟
تحتاج الدول الصغيرة مثل لاتفيا أن تعمل بجدية كشريك بقطاع الأعمال في العالم العربي لتصبح معروفة، وكسفيرة لـ "لاتفيا" فخورة بتضاعف التجارة بين البلدين ثلاث مرات خلال السنوات الأخيرة، حتى أن بلادى أصبحت اليوم أكبر شريك تجاري لمصر بين دول بحر البلطيق.

وخلال عام 2016، كانت الصادرات اللاتفية إلى مصر بقيمة 51 مليون يورو، بنسبة 98% من المنتجات الخشبية، وتنوعت المنتجات المصدرة لمصر بنسبة 61% من الصادرات الخشبية، 35% من الصادرات الغذائية.

ونحو 50 شركة لاتفية تعمل في التبادل التجاري مع مصر، وأنا فخورة بالقول إن شركات تكنولوجيا المعلومات اللاتفية تولت حل مشكلة الغش في البطاقات البنكية المصرية، إضافة لعملها في مجال الأسماك المعلبة ومنتجات الشوفان بالتنافس مع منتجات شركات كبرى في مراكز التسوق المصرية.

ما المجالات الرئيسية التي تركز عليها الاستثمارات اللاتفية في مصر؟
إمكانيات لاتفيا في مصر تتمثل في معرفتها "كيفية الاستثمار"، البلدان الأوروبية الصغيرة في كثير من الأحيان تمتلك الخبرة والتخصص التي لا تملكها البلدان الصغيرة، وهو ما يعتمد على قوة الاقتصاد في لاتفيا فهي صاحبة ثاني أعلى معدل للتسجيل في الجامعات بعد كندا، ورابع أسرع شبكة إنترنت في العالم، وأكبر المعتمدين على الطاقة الخضراء كما أنها تستخدم الوقود الحيوي في توليد الكهرباء والحرارة معا، وهي كعضو بالاتحاد الأوروبي مهتمة بالاستثمار وتبادل الخبرات وطرق التصنيع الأوروبية مؤمنة بالمنفعة المتبادلة في تبادل الخبرات.

ومن جانبنا عرضنا على الحكومة المصرية منذ يونيو الماضي تقديم خبراتنا لها في تصنيع القطارات والترامات التي تعمل بها شركة "آر في آر" اللاتفية منذ 120 عاما، مع إعطائها الحق في التصدير، حتى أن الشركة اقترحت تأسيس شركة مشتركة في مصر باستثمار يبلغ نصف مليار دولار في اتفاق من شأنه السماح لمصر، للمرة الأولى في التاريخ، بأن تصبح لاعبا رئيسيا وموردا للقطارات المصنوعة محليا لديها، ويحتاج قطاع النقل العام في مصر إلى تحديث فوري، وهو ما ستشرف شركتنا عليه من خلال تبادل الخبرات في هذا القطاع مع تقديم الكثير من الحلول المتقدمة الأخرى في مجال تكنولوجيا المعلومات.

كم عدد السياح اللاتفيين في مصر؟ وهل تم تغيير نصائح السفر الخاصة للقادمين إلى مصر؟
قدمت ريجا، عاصمة لاتفيا، خدمات سفر لـ 5 ملايين مسافر خلال العام الماضي، وكانت مصر الوجهة السياحية الأولى خلال فصل الشتاء، بعد أن بدأ السياح العودة إلى مصر عام 2015 وزار أكثر من 19 ألف سائح منتجعات البحر الأحمر، لكن العدد انخفض إلى 11 ألف سائح في عام 2016، للأسف.

نحدث توصياتنا للمسافرين بانتظام حسب الحالة في البلدان المتوجهين إليها، وتطالب السفارة باتخاذ إجراءات وقائية للسفر بشكل فردي أو في مجموعات صغيرة خاصة في المناطق الريفية من البلاد، إلا أن مشورتنا لا تقيد الرحلات إلى الوجهات السياحية المعروفة جيدا في مصر بما في ذلك منتجعات البحر الأحمر.

إلى أي مدى ستكون فكرة اتحاد أوروبي "متعدد السرعات" فاعلة؟ وهل ستؤثر في بلادكم؟
من المؤكد أنها فعالة، احتفل أعضاء الاتحاد الأوروبي في 25 مارس الماضي بمرور 60 عاما على معاهدة روما منذ أن رسخت 6 دول أوروبية مفهوم السلام والاستقرار المعروف اليوم باسم الاتحاد الأوروبي الذي كفل أطول فترة سلام للمرة الأولى في تاريخ أوروبا.

وتدل الجاذبية لهذا المفهوم على حقيقة رغبة المزيد من الدول الأوروبية التي تريد الانضمام للاتحاد الأوروبي الذي يضم 28 دولة، ويعتبر الاتحاد الأوروبي حلمًا طويل الأمد بالحرية بالنسبة لـ"لاتفيا"، حيث ظلت تحت ظل الاحتلال السوفيتي بعد الحرب العالمية الثانية حتى عام 1991 عندما استعادت استقلالها، وكان أحد أهدافها الخارجية حينها الانضمام للاتحاد الأوروبي.

وانضمت "لاتفيا" للاتحاد في 2004 بعد تنفيذ معايير انضمام شديدة الصعوبة، ولذلك نحن نراه الآن مجتمعا قيما ناجحا ويعتبر نجاحه الكبير في قدرته الاتفاق على قضايا صعبة ومتنوعة، وبالنسبة لي فإن فكرة اتحاد أوروبي متعدد السرعات تعكس حرية الدول المختارة للانضمام للسياسات المشتركة واحترام سيادة كل الدول وقراراتها.

ومن الأمثلة على فكرة اتحاد أوروبي متعدد السرعات، انضمام 22 دولة من أصل 28 دولة عضوة بالاتحاد إلى اتفاقية شنجن التي تضمن تحركا حرا للأفراد بين الحدود، قبلت 19 دولة فقط من بين الـ 28 عضوًا بالاتحاد الأوروبي العمل بعملة اليورو كعملة مشتركة، وانضمت لاتفيا لمنطقة اليورو عام 2014 ولاتفاقية الشنجن عام 2008.

وتعتبر جامعة الدول العربية مؤسسة أقدم من الاتحاد الأوروبي وأنشئت لنفس الهدف من أجل حماية استقلال وسيادة الدول العربية، وأتمنى حقًا أن تبني الدول العربية أساسيات للجامعة وأن تتعلم من أخطاء الماضي، وأن تتبع شعار نجاح الاتحاد الأوروبي وهو "متحدون في التنوع" وليس الاتفاق على عدم الاتفاق.
الجريدة الرسمية