رئيس التحرير
عصام كامل

رسائل لوبن من مرسيليا «البوابة المغاربية» إلى كل أوروبا

فيتو

في مرسيليا اختتمت مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن حملتها الانتخابية. ومن المدينة التي توصف بـ "البوابة المغاربية"، وجهت لوبن رسائلها إلى كل أوروبا حيث يعيش ملايين المهاجرين المغاربيين ويخشون تداعيات فوزها المحتمل.

في حي بالسونس في قلب مدينة مرسيليا ثاني أكبر المدن الفرنسية، تكتظ الشوارع والأسواق بالمهاجرين المغاربيين. وفي مقهى موناكو، الذي يقع في الشارع الرئيسي للحي، يتبادل زبناء المقهى وجلهم من أصول جزائرية وتونسية ومغربية، الأحاديث حول مشاغلهم اليومية في المهجر، وتتخللها انطباعات حول الانتخابات الرئاسية التي تجري يوم الأحد 23 أبريل 2017.

وسرعان ما ينتقل الحديث إلى حظوظ مرشحة اليمين المتطرف، زعيمه الجبهة الوطنية مارين لوبن، التي اختارت أن تكون مرسيليا آخر محطة في حملتها الانتخابية، وصادف أن كان ذلك بعد يوم واحد من إعلان السلطات الفرنسية إحباط مخطط إرهابي"كبير" كان سيستهدف الانتخابات.

صالح (33 عاما) ولد في مرسيليا من والدين مهاجرين قدما من مدينة عنابة الجزائرية، يعمل في مطعم سياحي، يقول لـ DW عربية، إن "المهاجرين المغاربيين تنفسوا الصعداء"، أولا لإحباط السلطات الفرنسية مخططا إرهابيا، وثانيا لأن المشتبه في تخطيطهم للعمل الإرهابي ليسوا مغاربيين. ويذكر صالح كيف أن الجاليات المغاربية "عانت من ضغوط عديدة" في أعقاب اعتداءي باريس (2015) ونيس (2016)، اللذين تورط فيهما متطرفون من أصول مغاربية.

ويعيش في فرنسا زهاء أربعة ملايين مهاجر مغاربي وهو ما يعادل نحو 40 في المائة من مجموع المهاجرين المغاربيين المقيمين في عموم أوروبا.

وبعد إخفاق حزب الحرية اليميني الشعبوي في هولندا بزعامة خيرت فيلدرز، الذي جعل من رفض الهجرة المغربية، محور حملته الانتخابية، تتجه الأنظار الآن إلى فرنسا. إذ يرى محللون أن سيناريو فوز الجبهة الوطنية من شأنه أن يلقي بتداعيات على أوضاع الجاليات المغاربية، ليس في فرنسا وحدها بل في البلدان الأوروبية أيضا، التي تنتظرها مواعيد انتخابية هذا العام وخصوصا ألمانيا التي تشهد في 24 سبتمبر المقبل انتخابات عامة.


لوبن في "البوابة المغاربية"
وفي خطابها أمام نحو خمسة آلاف من أنصارها في مرسيليا مساء الأربعاء ركزت زعيمة الجبهة الوطنية على ثلاثي الإرهاب والهجرة والبطالة، ودعت إلى "وقف الهجرة". وبالنسبة إلى سليم (55 عاما) من أصل تونسي، الذي يعمل تاجرا في مرسيليا وقدم إلى فرنسا منذ أكثر ثلاثة عقود، فإن "اليمين المتطرف يسعى إلى ربط الخوف من الإرهاب بقضايا الهجرة".

وحول ميول الناخبين من أصول مغاربية، تشير وسائل الإعلام بفرنسا، إلى مشكلات تشتت أصواتهم وإلى ضعف المشاركة في الاقتراع بالأحياء التي تقطنها أغلبية من المهاجرين المغاربيين، مثل أحياء الضواحي الباريسية، التي يٌثار جدل ساخن حول اندماج سكانها، ومشكلات التهميش والجريمة والتطرف في أوساط الشباب.

وقبالة سوق نويي في الحي المغاربي بمرسيليا، تبدو صور المرشحين الرئيسيين لانتخابات الأحد مشوهة، بينما تجد على الجدران صور مرشحين لحملة الانتخابات التشريعية التي تجري يوم 14 مايو/ أيار المقبل في الجزائر.

وحول رأيهما في احتمال فوز مرشحة اليمين المتطرف في الانتخابات، التي تمنحها استطلاعات الرأي أفضيلة العبور للدور الثاني من الاقتراع، يعتقد صالح وسليم أنه على الأقل بالنسبة لمرسيليا التي تعتبر "البوابة المغاربية" لأوروبا، فإن حظوظ لوبن ليست قوية، فالناخب الفرنسي من أصل مغاربي يصوت تقليديا لأحد مرشحي المحافظين أو الاشتراكيين.

ويستدرك سليم بالقول إن الصورة تبدو "هذه المرة غير واضحة تماما" بسبب الانقسامات في معسكر الاشتراكيين ومشكلات الفساد التي واجهت حملة المرشح الجمهوري المحافظ فرانسوا فيون. ومن جهته يعتقد صالح بأن المرشح المستقل مانويل ماكرون "يثير اهتمام فئات واسعة من المهاجرين، بأفكاره وانفتاحه على الشباب".


وبخلاف الاعتقاد السائد بأن مارين لوبن تعتمد على أصوات فئات المتقدمين في السن، الذين يخشون على "الهوية الفرنسية بسبب الهجرة"، تٌظهر إحصاءات نشرتها مراكز فرنسية لاستطلاعات للرأي بأن مرشحة اليمين المتطرف تراهن أيضا على الشباب. وحسب هذه الاستطلاعات تأتي لوبن في صدارة المرشحين الـ 11 للانتخابات الرئاسية بحصولها على تأييد 40 في المائة من الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 سنة.

وفي برنامجها الانتخابي تحاول لوبن كسب أصوات المتذمرين من السياسات الاقتصادية التي انتهجتها الحكومات ذات التوجهات اليسارية والمحافظة على السواء بفرنسا، كما تهاجم سياسة الاتحاد الأوروبي وخصوصا في مجال الهجرة، وتراهن على مفعول دومينو لخروج بريطانيا (بريكست) من الاتحاد الأوروبي، وتتعهد بتنفيذ "فريكست" (خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي) في حال فوزها في الانتخابات.

ظلال الإرهاب تخيم على الانتخابات الأوروبية

وبعد الاعتداءات الإرهابية في فرنسا وبلجيكا وألمانيا، تركزت الأنظار على "الجهاديين" من أصول مغاربية. ومن أصل ستة اعتداءات إرهابية شهدتها ألمانيا خلال عام 2016، وجه الاتهام في نصفها إلى مغاربيين ومن أسوأ تلك الاعتداءات كانت عملية الدهس بشاحنة في سوق لعيد الميلاد ببرلين من تنفيذ التونسي أنيس العامري.

ولوحظ تزايد تناول الساسة ووسائل الإعلام للربط بين تدفق اللاجئين وارتفاع مخاطر الإرهاب. وعلى غرار ألمانيا وفرنسا، باتت مسألة تشديد قواعد التنقل داخل بلدان منظومة شينغن، وقوانين اللجوء، تتصدر برامج عدد من الأحزاب والمرشحين للانتخابات في بلدان أوروبية أخرى مثل هولندا وإيطاليا والنمسا.


وفي حوار مع DW عربية أعرب الخبير الألماني في شئون الاندماج، سامي شرشيرة عن اعتقاده بأن "الخشية من فوز مارين لوبن في الانتخابات الرئاسية بفرنسا، تظل "بأي حال كالسيف المسلّط على الأطراف السياسية في ألمانيا. إذ من شأن فوز الجبهة الوطنية - اليمين المتطرف في فرنسا ـ أن يقوٍّي اليمين الشعبوي في ألمانيا، ويضع الأحزاب التقليدية تحت ضغط كبير".

ويتغذى اليمين الشعبوي في ألمانيا من مظاهر الخوف من الإرهاب والتذمر من سياسة استقبال اللاجئين التي انتهجتها المستشارة ميركل. وفي محاولة منها لتخفيف الضغوط عليها وتسهيل عمليات ترحيل المهاجرين المغاربيين الذين تٌرفض طلبات لجوئهم، بادرت حكومة المستشارة ميركل إلى اقتراح مشروع قانون بتصنيف البلدان المغاربية الثلاث المغرب والجزائر وتونس، كبلدان آمنة، لكن مشروع القانون اصطدم باعتراض مجلس الولايات (بوندسرات). ويٌتوقع أن يعود هذا الملف لدائرة الجدل في أفق الانتخابات العامة المقبلة.

ويرى سامي شرشيرة أن فوز اليمين المتطرف في فرنسا "يمكن أن يسفر عن تأجيج مزيد من النقاشات المجتمعية والخلافات في ألمانيا حول قضايا اللاجئين والهجرة، وبشكل خاص حول وضع المهاجرين المغاربيين الموجودين أصلا في صلب الجدل القائم (بألمانيا)".

وفي هذا السياق، يتوقع الخبير الألماني من أصل مغربي، أن تشهد عمليات ترحيل المهاجرين المغاربيين ارتفاعا ملموسا وأن تتضاعف الضغوط على الدول المغاربية باتجاه نهج برامج لإعادة مواطنيها (الذين تٌرفض طلبات لجوئهم) بشكل أكبر والعمل على كبح تدفق الهجرة غير الشرعية من شمال أفريقيا. وأشار شرشيرة إلى "وجود شكاوى حاليا من تضييقات على التحاق الطلاب المغاربيين بالجامعات الألمانية".



تحديات جديدة للشباب المغاربي في أوروبا

وتساهم الانطباعات السائدة حول ارتفاع الجريمة في أوساط الشباب المغاربي المهاجر بألمانيا، في تغذية الخوف من قدوم مهاجرين مغاربيين إلى البلاد سواء عبر طرق الهجرة غير الشرعية أو من خلال التنقل عبر الحدود الأوروبية المفتوحة.

وما تزال تداعيات حادث الاعتداءات الجنسية في رأس السنة 2016 بمدينة كولونيا، تتفاعل في ألمانيا، ويساهم في إثارة أسئلة ومخاوف من الجاليات المغاربية وخصوصا الشباب ونظرته لقضايا المرأة والحريات الشخصية. وفي خضم الانتخابات الهولندية أٌثير جدل ساخن حول قضايا اندماج المهاجرين المغاربة ونظرتهم لقضايا الحريات الشخصية مثل موضوع المثليين جنسيا.

كما شهدت فرنسا ومعها دول أوروبية أخرى جدلا واسعا حول قضية رفض ارتداء نساء مسلمات للبوركيني في الشواطئ. وهي مؤشرات، برأي محللين، تدل على نوعية التحديات الجديدة التي تواجه الشباب المغاربي واندماجه الثقافي في المجتمعات الأوروبية، وتشكل المواعيد الانتخابية محطات واختبارات صعبة لهذه الجاليات.

بيد أن سامي شرشيرة، الذي يشغل مهمة مستشار وزارة الداخلية لشئون "مؤتمر الإسلام" الألماني، يخشى من أن "يؤدي تصاعد مظاهر وصم الجاليات المغاربية في ألمانيا وأوروبا بشكل عام إلى دفع فئاتها نحو هامش المجتمع"، ومن شأن تطور من هذا القبيل أن "يساهم في تنامي التطرف في أوساط الشباب"، يحذر الخبير الألماني من أصل مغربي.

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل


الجريدة الرسمية