رئيس التحرير
عصام كامل

معارك النواب وهمية.. بسيوف خشبية!


«عيب يمشوا كلامهم علينا» جاءت تلك العبارة على لسان النائب أحمد حلمي الشريف وكيل لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب، ومقدم قانون تعديل اختيار رؤساء الهيئات القضائية الذي وافق عليه البرلمان.


العبارة التي رددها الشريف أكثر من مرة لا تعبر فقط عن تمسك أعضاء اللجنة بتعديل القانون الذي أثار ضجة واسعة بين المواطنين، إنما عن عقيدة راسخة بين القيادات البرلمانية بأن التراجع عن المواقف التي تتخذ داخل اللجان، يسقط هيبة المجلس، ويشجع مؤسسات الدولة وهيئاتها على عدم الانصياع لما يصدر عن اللجان من توصيات، حتى لو أشعلت أزمات غير مبررة مع فئات منتمية لثورة يونيو ومشاركة في أحداثها، بداية من الإعلاميين وأساتذة الجامعات وأخيرا مؤسسة الأزهر.

والحقيقة أن إسقاط هيبة المجلس تأتي نتيجة لإصدار المجلس لقرارات وقوانين يستحيل تنفيذها، إما لأنها تتعارض مع الدستور.. أو تتغول على حقوق القضاة وأساتذة الجامعات في تنظيم شئونهم، أو ترفض تنفيذ أحكام صدرت عن أعلي هيئة قضائية هي محكمة النقض، ومازال الحكم الصادر من محكمة النقض بعدم أحقية أحد النواب بعضوية المجلس، وأن يحل مكانه العضو المستحق لم ينفذ حتى الآن.

رغم الوعود التي قطعها رئيسه بأن الحق سيعود إلى صاحبه خلال أيام، وتمضي الأيام والشهور دون أن تتحقق الوعود، وتخرج التسريبات من داخل المجلس لتكشف أن بعض النواب يعارضون تنفيذ الحكم، لخشيتهم صدور أحكام مماثلة تنصف آخرين.. وتعزل العديد من النواب الحاليين، ولم يخف بعض النواب أن تمسكهم بتجميد الحكم يعني أن المجلس «سيد قراره».. ولن ينصاع لأي جهة أخرى في الدولة.. حتى لو منحها الدستور هذا الحق.

وليس سرا يذاع أن العديد من أعضاء المجلس، يطالبون بتعديل مواد الدستور، التي منحت القضاة سلطات واسعة، من أجل حماية حقوق المواطنين.

ولا شك أن تلك المواقف التي تتسم بالعناد والمكايدة أدت إلى اتساع الفجوة بين المواطنين، الذين لا يلمسون اهتمام المجلس بالمشكلات اليومية التي تواجههم، وبين بعض الأعضاء الذين يصرون على خوض معارك وهمية بسيوف خشبية ضد فتات عديدة، مازالت حتى الآن مؤيدة للنظام.

إنها معارك وهمية، لأنها لا تتعلق بمشكلات جماهيرية.. أو تسعي لتخفيف معاناة المواطنين مع الأجهزة الحكومية، وإصدار القوانين التي تحد من الفساد المستشري في الوزارات المختلفة.

بدلا من ذلك تستجيب لجان المجلس لرغبات بعض النواب في تصفية الخلافات بينهم وبين الآخرين، كما حدث في مساندة أحد النواب الذي يختلف مع رئيس إحدي الجامعات، وأصدرت اللجنة توصية بعزله! رغم أن قرار العزل من سلطات رئيس الجمهورية، بناء على توصية المجلس الأعلي للجامعات، وقد استفزت التوصية أعضاء المجلس وساندوا رئيس الجامعة وتمسكوا ببقائه والنتيجة أن المعركة التي خاضها النواب فشلت في تحقيق أهدافها، وكشفت أمام الراي العام أن وراء التوصية خلافات شخصية لا علاقة لها بالصالح العام وأنها أضرت بسمعة البحث العلمي في مصر.

وكما استفزت توصية عزل رئيس الجامعة أعضاء المجلس الأعلي للجامعات، استفز قانون تعديل اختيار رؤساء الهيئات القضائية جميع أندية القضاة ووقفوا وقفة رجل واحد ضد تنفيذه.

ومن أسف أن تلك المعارك الوهمية، لم تسفر سوي عن تقديم أسلحة مجانية لأعداء الوطن للزعم بأن الدولة لا ترحب باستقلالية القضاة وتتدخل في تنظيم شئونهم، رغم مواد الدستور التي وفرت لهم الاستقلالية من أجل هدف واحد.. حماية حقوق المواطنين.. وتحقيق العدالة، ومما يساعد على انتشار تلك المزاعم التصريح الذي أدلى به أحد القيادات البرلمانية بأن التعديل يهدف إلى استبعاد أصحاب الاتجاهات المتشددة من رئاسة الهيئات القضائية، وهو أمر يجب أن يترك للقضاة أنفسهم دون تدخل البرلمان أو الجهاز التنفيذي للدولة.

ويأتي الحديث عن مشروع قانون لتنظيم مؤسسة الأزهر، وينص في أحد مواده على مدة محدودة لا يتجاوزها شيخ الأزهر ثم يتم اختيار شيخ جديد، ولا اعتقد أن تلك القضية تشغل المواطن المصري الذي تحاصره المشكلات من كل جانب.. سواء الغلاء.. أو تدهور التعليم.. وانهيار المؤسسات العلاجية، وفي ظل ظروف صعبة، يري بعض الخبراء أنها من اصعب الفترات التي مرت على مصر، سواء من الناحية الاقتصادية.. أو مواجهة المؤامرات الداخلية والخارجية.. لا تغيب عن أعضاء المجلس، الذين يصرون على خوض معارك وهمية بسيوف خشبية!
الجريدة الرسمية