رئيس التحرير
عصام كامل

د. عماد الفقي أستاذ القانون: قانون العقوبات عفى عليه الزمن.. وينحاز للسلطة ضد المواطن

فيتو

  • نحتاج لعقوبات جديدة تتواكب مع ثورة التكنولوجيا في وسائل الإجرام
  • الزوج الذي يضبط زوجته متلبسة بالزنى وقتلها لا يعدم
  • انتشار زواج القاصرات بسبب التحايل على القانون
  • عقوبة الجرائم التي ترتكب باسم السلطة بسيطة
  • الشبكات الإجرامية المنظمة أشبه بالتنظيمات العسكرية
  • أطالب بإنشاء مجلس أعلى للسياسة الجنائية أسوة بالدول الأوروبية
  • عقوبة جرائم الإتلاف غير العمدي أصبحت لا تتناسب مع ارتفاع تكاليف المعيشة
  • زواج القاصرات يدخل ضمن جرائم الاتجار بالبشر 
  • عقوبات الحبس لمن ينتهك حقوق المواطنين يجب أن تصبح وجوبية 
  • هناك نصوص في القانون انحازت لرجال السلطة العامة 
  • مواد قانون العقوبات لا تتناسب مع التغيرات التي طرأت على المجتمع


قال الدكتور عماد الفقي، أستاذ القانون الجنائي، وكيل كلية الحقوق، إن قانون العقوبات يحتاج تعديلًا شاملًا، وإعادة النظر في مواده التي أصبح معظمها لا يتناسب مع التغيرات التي طرأت على المجتمع، وظهور جرائم مستحدثة بسبب الثورة التكنولوجية تحتاج قوانين جريئة، بعيدًا العقوبات الهزيلة التي تطبق على بعض الجرائم بالقانون.

وكشف الفقي وجود مواد بقانون العقوبات تميز بين الرجل والمرأة، خاصة فيما يتعلق بجرائم الزنا، بالإضافة إلى انحيازها لرجال السلطة العامة في بعض الجرائم، مشيرًا إلى أن بعض مواد القانون شجعت على سرقة العقارات، والتوسع في القبض على المواطنين دون وجه حق... وإلى نص الحوار:


*في البداية.. هل ترى أن قانون العقوبات يحتاج لتعديل؟
قانون العقوبات المصري صدر في الثلاثينيات وتحديدًا عام 1937، وتم إدخال بعض التعديلات عليه لكي تتواكب نصوصه مع المستجدات التي طرأت على المجتمع، ويعالج ما استحدث من جرائم لم تكن موجودة من قبل، إلا أنه يبقى من القوانين القديمة التي تحتاج لتعديل شامل، ليتضمن عقوبات جديدة تتواكب مع ثورة التكنولوجيا والمعرفة في وسائل الإجرام، على غرار ما قامت به فرنسا من إصدار قانون العقوبات الفرنسي الجديد عام 1992.

*وما الجرائم المستحدثة التي تحتاج عقوبات جديدة بقانون العقوبات؟
الإجرام المنظم أو الشبكات الإجرامية المنظمة التي هي أشبه بالتنظيمات العسكرية، تستخدم وسائل التكنولوجيا الحديثة والإنترنت في ارتكاب الجرائم، مما يتطلب عقوبات جديدة للجرائم التي تستخدم التكنولوجيا الحديثة وتضمينها في قانون العقوبات المصري.

*هناك جرائم بقانون العقوبات تبدو كأنها جرائم جسيمة إلا أن عقوبتها ضئيلة.. ما أبرز هذه الجرائم؟
هناك جرائم بالفعل كبيرة إلا أن عقوبتها بسيطة مثل الجرائم التي ترتكب باسم السلطة وهي الجرائم التي تقع من رجال السلطة العامة، والعقوبات المقررة لها بسيطة لا تتناسب مع الجرم الذي ارتكبه الموظف العام وهي جرائم الإكراه وسوء المعاملة من الموظفين لأفراد الناس، حيث نصت المادة 129 من قانون العقوبات على أن كل موظف أو مستخدم عمومي وكل شخص مكلف بخدمة عمومية استعمل القسوة مع الناس اعتمادًا على وظيفته، بحيث أخل بشرفهم أو أحدث آلامًا بأبدانهم يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تزيد على 200 جنيه، حيث إن هذه العقوبة خفيفة كما أنها اختيارية بالنسبة للقاضي، والتي منحته حق اختيار إما الحبس سنة أو دفع غرامة 200 جنيه.

*وما العقوبة المقترحة من وجهة نظرك؟
المقترح هو تغليظ العقوبة بحيث يكون الحبس وجوبيا، مع زيادة قيمة الغرامة.

*ألا ترى أن هناك نصوصًا بقانون العقوبات انحازت لرجال السلطة العامة والموظفين العموم؟
بالفعل هناك نصوص انحازت لرجال السلطة العامة، مثل قيام موظف عمومي دخول منزل شخص ما بغير رضاه معتمدًا على وظيفته، فالعقوبة هنا تكون إما الحبس أو الغرامة التي لا تزيد على 200 جنيه، وفقًا لما نصت عليه المادة 128 من قانون العقوبات "إذا دخل أحد الموظفين أو المستخدمين العموم أو أي شخص مكلف بخدمة عمومية اعتمادًا على وظيفته منزل شخص من أحد الناس بغير رضاه فيما عدا الأحوال المبنية في القانون أو دون مراعاة القواعد المقررة فيه، يعاقب بالحبس أو بالغرامة لا تزيد على 200 جنيه"، هذا بجانب انحياز القانون أيضًا للموظفين العموم في جريمة الاستيلاء على ملك عقار أو منقول قهرًا عن مالكه أو استولى على ذلك بغير حق، حيث نصت المادة 130 من قانون العقوبات على: "كل موظف عموم أو مستخدم عموم وكل إنسان مكلف بخدمة عمومية اشتري بناءً على سطوة وظيفته ملكًا عقارًا كان أو منقولا قهرًا عن مالكه أو استولى على ذلك بغير حق أو أكره المالك على بيع ما ذكر لشخص آخر يعاقب بحسب درجة ذنبه بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تزيد على 200 جنيه"، وكلها عقوبات ضعيفة للغاية.

*وما العقوبات المناسبة لتلك الجرائم؟
أن تكون عقوبات الحبس وجوبية وليست غرامات لتكون رادعة لمن ينتهك حقوق المواطنين.

*كيف ترى انتشار جرائم الاعتداء على عقار الغير وضع اليد عليها والعقوبات المقررة لها؟
العقوبات المقررة لتلك الجرائم شجعت على سرقة العقارت والاعتداء عليها وحيازتها بالقوة، وحرمان صاحب العقار من الانتفاع به، وعندما يقوم صاحب العقار برفع دعوى قضائية لإثبات حقه في عقاره، ويقدم المستندات التي تفيد ذلك، يصدر الحكم في النهاية بالحبس مدة لا تتجاوز سنة أو قد تكون العقوبة مجرد غرامة لا تتجاوز 300 جنيه، في حين أن اللص الذي يسرق حافظة نقود تكون مدة العقوبة الحبس لمدة عامين وجوبيًا.

*هل ترى أن هناك غرامات أصبحت لا تتناسب مع ارتفاع المعيشة وغلاء الأسعار؟
هناك جرائم الإتلاف غير العمدي، فإذا قام أحد الأشخاص بإتلاف سيارة الغير دون قصد، تكون الغرامة 50 جنيهًا، وهذا يحتاج إلى تغليظ العقوبة، وخاصة أن قيمة الغرامات التي فرضها المشرع تحتاج إلى الزيادة، فالغرامات الحالية لا تتناسب مع قيمة الشيء الذي تم إتلافه، في ظل ارتفاع الأسعار، فما تم إتلافه قيمته أكبر بكثير من الغرامة المفرضة، ولا بد أن يكون هناك تناسب بين قيمة الشيء الذي تم إتلافه والغرامة المقررة لها.

*رغم التوعية بخطورة زواج القاصرات والأضرار الناجمة عنه.. فإنه ما زال منتشرًا خاصة في القرى والمحافظات دون خوف من المسئولية الجنائية عنه.. كيف ترى ذلك؟
زواج القاصرات يدخل ضمن جرائم الاتجار بالبشر، ويعاقب كل من يشترك في تزويج قاصر، سواء الأب أو المحامى أو السمسار، ورغم تجريم القانون فإن ما يحدث هو تحايل على القوانين والأعراف، فالمادة السادسة من القانون 64 لسنة 2010 بشأن مكافحة الاتجار بالبشر نصت على عقاب مرتكب جريمة الاتجار بالبشر بالسجن المشدد، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تتجاوز خمسمائة ألف جنيه في الحالات الواردة بالقانون، وإذا كان المجنى عليه طفلًا أو من عديمي الأهلية، أو من ذوى الإعاقة، فقد غلظ العقوبة لتصل إلى السجن المؤبد، إلا أن وسائل التحايل والتلاعب في تحديد عمر الطفلة بشهادات طبية غير صحيحة تحول دون تطبيق العقوبة.

*ظهرت مؤخرًا عدة قوانين عقابية خاصة لبعض الجرائم بعضها لجرائم مستحدثة.. فلماذا لم يتم تعديل قانون العقوبات بإضافة تلك الجرائم وعقوبتها؟
لجأ المشرع إلى إعداد قوانين عقابية خاصة، رغبة منه في عدم إجراء تعديلات جديدة على قانون العقوبات، مثل قانون خاص بالاتجار بالبشر، قانون الإرهاب، قانون التوقيع الإلكتروني الخاص بالجرائم الإلكترونية، الهجرة غير الشرعية، زراعة الأعضاء البشرية، قانون الاتصالات، قانون المحاكم الاقتصادية، جميعها تشريعات عقابية خاصة لمواجهة ظاهرة إجرامية جديدة لم تكن موجودة من قبل، ولجأ المشرع فيها إلى تغليظ العقوبات، وبعض من تلك الجرائم منصوص عليها بالفعل في قانون العقوبات مثل الجرائم الإرهابية، إلا أن المشرع قصد إصدار قانون خاص متكامل لكل من تلك الجرائم لمواجهتها بحزم بعقوبات رادعة، أشد مما كان ينص عليه قانون العقوبات.

*هل ترى أن تشديد العقوبات هو السبيل لتحقيق الردع وتقليل ارتكاب الجريمة؟
تشديد العقوبة ليس الوسيلة الوحيدة للمكافحة بل ربما قد تأتي بنتائج عكسية، في بعض الجرائم، الأزمة في تطبيق القانون وتفعيله، وأن يكون لدى الدولة بعد نظر في اتخاذ التدابير اللازمة لمنع أو التقليل من ارتكاب الجرائم، لكن ما يحدث أن الجريمة تحدث ثم تأخذ الدولة بعدها رد الفعل، فهناك وسائل وإجراءات إذا اتخذتها الدولة ستقلل من نسبة الجرائم.

*وما تلك الإجراءات التي يتعين على الدولة اتخاذها؟
نحن في حاجة ماسة إلى مجلس أعلى للسياسة الجنائية أسوة بالدول الأوروبية يضم محامين وأساتذة جامعة وممثلين عن الجهات الأمنية والمعنية بالشأن الإجرامي، وبعض الشخصيات العامة، ويتبع الرئاسة، ويتولى اتخاذ التدابير اللازمة للحيلولة دون وقوع الجريمة، مراجعة التشريعات العقابية، دراسة أسباب الظاهرة الإجرامية، أو القوانين التي تحتاجها الدولة، هل القوانين الحالية كافية لمواجهة الجرائم؟ كيفية تحقيق الجزاء الجنائي في المؤسسة العقابية للغرض من الجزاء الجنائي، عمل إحصائية بمعدل الجرائم سنويا ودراسة أسباب ارتفاعها أو انخفاضها مقارنة بالأعوام السابقة ونوعيتها، والوقوف على مدى صلاحية المؤسسة العقابية للتأهيل والتهذيب، ومراقبة السجون ومعاملة المساجين، ومدى توفير الرعاية الصحية لهم، وعمل إحصائيات عن عدد المسجونين في السجون ونوعية الجرائم التي ارتكبوها وغيرها، بهدف ضبط المؤسسة العقابية ومكافحة الجريمة.

*هل ترى أن القانون ميز بين الرجل والمرأة في بعض العقوبات؟
نعم، ولعل أبرزها جريمة الزنا، فقد نص قانون العقوبات في المادة 237 على أنه من فاجأ زوجته حال تلبسها بالزنى وقتلها في الحال هي ومن يزني بها، عوقب بالحبس بدلا من العقوبات المقررة في المادتين 234 و236"، وهنا يقصد عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد، يطلق عليها حالة العذر أو الاستفزاز، ويقصد بها عندما يضبط الزوج زوجته متلبسة مع عشيقها بالزنى وقتلهما، يحكم القاضي عليه بعقوبة الحبس وليس الإعدام أو السجن المؤبد، لا يستفيد من حالة العذر إلا الزوج فقط، هنا في تمييز، لأن المرأة إذا رأت زوجها في حالة تلبس مع عشيقته بالزنى، وقتله أو قتلتهما معا، لا يطبق القاضي عليها المادة 237، لكن يمكن أن يستخدم القاضي مع الزوجة القاتلة المادة 17 من قانون العقوبات التي أجازت للقاضي وفقا للدعوى وملابساتها استخدام الرأفة وتبديل العقوبة، فبدلا من عقوبة الإعدام تستبدل بعقوبة السجن المؤبد أو المشدد، أو قد يقوم القاضي باستبدال عقوبة السجن بعقوبة الحبس التي لا يجوز أن تنقص عن ثلاثة أشهر، لكن استخدام الرأفة ليس جوبيًا على القاضي أن يستعملها، أما في حالة الزوج، فتطبيق المادة 237 عليه إلزامي ووجوبي.

*وماذا إذا قامت الزوجة وعشيقها بقتل الزوج الذي حاول قتلهما بعد ضبطهما في حالة تلبس بالزنى؟
هنا يوجد عوار تشريعي يحتاج إلى تدخل المشرع لتعديله، فقد يحدث أن الزوج الذي ضبط زوجته وعشيقها في حالة تلبس بالزنى، يستخدم حقه في الدفاع عن شرفه وكرامته بقتلهما، إلا أن الزوجة الخائنة وشريكها قاموا بقتل الزوج باستخدام حق الدفاع عن النفس، وبالتالي لن يحاكموا باعتبار أن الدافع من قتل الزوج هو الدفاع عن النفس في مواجهة الزوج الذي حاول قتلهما بسبب الزنا، فضلا عن أنه يتعذر محاكمة الزوجة بتهمة الزنا، بعد أن قتلوا الزوج صاحب الحق الأصيل في تحريك دعوى الزنا ضد زوجته.

*كيف ترى الأحكام التي تصدر ضد الضباط المتهمين بتعذيب المتهمين؟
المحاكم أحيانًا تستخدم عقوبات مخففة مع مأموري الضبط القضائي المتهمين في جرائم التعذيب، فرغم أن المادة 126 من قانون العقوبات والتي تنص على: "كل موظف أو مستخدم عموم أمر بتعذيب متهم أو فعل ذلك بنفسه لحمله على الاعتراف يعاقب بالأشغال الشاقة أو السجن من ثلاث سنوات إلى عشر سنوات، وإذا مات المجني عليه يحكم بالعقوبة المقررة للقتل عمدًا"، إلا أننا نرى في بعض الأحيان أن القضاء ينظر إلى المركز الوظيفي للجاني باعتباره ضابطًا ذا مركز مرموق، وينظر إلى وضع المجني عليه ويجد أن له "سوابق"، تلك النظرة تؤثر في العقوبة التي تصدر على الجاني، فضلا عن أن المحكمة قد ترى أن الضابط ارتكب ذلك بحكم وظيفته التي تدفعه إلى حماية المجتمع والمواطنين، فنجد ضباطًا متهمين بالتعذيب وحاصلين على عقوبة عام أو 6 شهور مع إيقاف التنفيذ، رغم العقوبات المشددة لتلك الجرائم وفقًا للقانون.


الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ"فيتو"..
الجريدة الرسمية