رئيس التحرير
عصام كامل

مركز زراعة الكبد بالمنصورة.. فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ

فيتو

  • عضو بالفريق الطبي: "نستقبل المرضى من داخل مصر والدول العربية.. ولا نقبل متبرعين إلا أقارب المريض من الدرجة الأولى" 
  • زوجة تصر على إنقاذ حياة زوجها بعد 14 سنة زواج دون إنجاب.. وطالب بالكلية الحربية يخاطر بمستقبله لإنقاذ والدته

في هدوء تام، ودون ضجة إعلامية تذكر، احتفل مركز الجهاز الهضمي التابع لجامعة المنصورة، بإتمام 500 جراحة لزراعة الكبد، داخل وحدة الزراعة التي تأسست قبل 13 عاما على أيدي نخبة من أمهر أطباء الجهاز الهضمي في مصر، ويخدم المركز مرضى الكبد داخل مصر وخارجها، بعد أن اكتسبت الوحدة سمعة طيبة للغاية بين مختلف الدول العربية. 

الأرقام تتحدث عن حجم النجاح الكبير، الذي حققته وحدة زراعة الكبد فقد تخطت معدلات نجاح العمليات الجراحية الـ85% من إجمالي الجراحات التي تم إجراؤها للمرضى داخل المركز الجامعى العريق، وهى نسبة وضعت مصر في المرتبة الثالثة عالميا في مجال زراعة الكبد، وبدرجة جودة لا تقل بحال من الأحوال عن المراكز الموجودة في عدد من الدول ذات الباع الطويل في الحقل الطبي.

البداية كانت عام 2004، من خلال برنامج زراعة الكبد الذي تبنته جامعة المنصورة عبر مركز الجهاز لهضمي، وتزامن ذلك مع ظهور نوع جديد من التليف الكبدى، وتزايد أعداد المرضى الذين يحتاجون إلى جراحات عاجلة في قوائم انتظار المستشفيات، وقتها كانت الجامعة تستعين بأطباء من أوروبا (وتحديدا فرنسا) لإجراء الجراحات اللازمة، ومن هنا جاء التفكير في تأسيس وحدة خاصة يتولى أمرها عدد من الأطباء المساعدين للأجانب، ووقع الاختيار على طبيب ماهر مشهود بكفاءته للمساهمة في تأسيس الوحدة هو الدكتور محمد عبدالوهاب، بالإضافة إلى عدد من زملائه بمركز الجهاز الهضمي الذين كونوا نواة الفريق المصري، الذي استلم المهمة من كبار أطباء أوروبا، ونجح في التفوق عليهم بعد ذلك. 

الدراسات المتوفرة في مجال الطب تكشف أرقاما مفزعة عن انتشار أمراض الفشل الكلوي في السنوات الأخيرة، وفى القلب منها أمراض الكبد التي انتشرت بسبب المبيدات المسرطنة، وتلوث الغذية، بالإضافة إلى أمراض دوالى المريء والقنوات المرارية، وتداعيات أمراض الجهاز الهضمي.
"فيتو" زارت المركز المتواجد بشارع جيهان بمدينة المنصورة، والتقت بالفريق الطبي المسئول عن وحدة زراعة الكبد، واستمعت إلى شهادات المرضى وذويهم عن الخدمة العلاجية المقدمة إليهم. 

في البداية تحدث الدكتور أحمد نبيه، مدرس جراحة الجهاز الهضمي وزراعة الكبد بجامعة المنصورة، عن إنجاز الـ500 جراحة كبد قائلا: "احتفلنا بداية شهر مارس بإجراء العملية رقم 500 لزراعة الكبد، وبدأ المشروع في شهر مايو عام 2004، وتم الاستعانة في البداية بطبيب فرنسي، وتم تدريب عدد من أطباء المركز في فرنسا لمدة 3 شهور، وقام الطبيب الفرنسي بإجراء ما يقرب من 30 عملية زرع كبد، وبعد ذلك بدأ أطباء المركز في إجراء الجراحات لحين وصولنا إلى إجراء العملية رقم 508 بخبرة مصرية كاملة، ووصلت نسبة نجاح العمليات إلى 92%.

نبيه تطرق إلى تكاليف زراعة الكبد ودور الدولة في دعم المرضى: "الدولة تساهم في علاج مريض زرع الكبد بمبلغ، بالإضافة إلى مساهمة المتبرعين بالأموال، ويتكلف المريض أجزاء بسيطة إذا كان غير قادر على إجراء العملية ولا يمتلك تكلفتها، ومشروع زراعة الكبد متعدد الأجزاء، مثل العامل البشرى والمعدات، وجامعة المنصورة مشكورة تمكنت من توفير جميع الأجهزة، بالإضافة إلى توافر العامل البشرى وهم الأطباء".

وعن المراحل والشروط التي يمر بها المريض، والمتبرع في حالة إجراء عملية زراعة الكبد قال: أهم مرحلة هي الالتزام بالمعايير الأخلاقية في اختيار المتبرع للمريض، ولا نقبل سوى أن يكون المتبرع أحد أقارب المريض، من الدرجة الأولى حتى الرابعة وهم "الابن، الأخ، زوجة أو الزوج"، والمريض والمتبرع يمرون بعدد من العمليات التحضيرية، قبل إجراء جراحة زرع الكبد، وتكون البداية في عينة فصيلة الدم إلى آخر مرحلة، وهى تحليل العينة الكبدية للطرفين، وذلك من أجل التأكد من التوافق بينهما.

وأوضح نبيه أنواع حالات الأمراض الكبدية، التي يتم عمل لها زراعة كبد، قائلا: "زرع الكبد له أنواع كثيرة من الأمراض منها التليف الكبدي؛ نتيجة الإصابة بفيروس C أوB، وهى الفئات الغالبة في عمليات الزراعة، وهناك أيضا الأورام الكبدية التي يوجد لها شروط معينة في إجراء جراحة زرع الكبد، بالإضافة إلى وجود أورام كبدية لم تتمكن من جراحة الزراعة الكبدية، ولكنها لها بدائل أخرى مثل التدخل الإشعاعي".

وعن حالة المريض والمتبرع بعد إتمام الجراحة قال: "المريض الذي أجري جراحة زرع الكبد، يكون طبيعيا ويتماثل للشفاء بنسبة تتخطى الـ85%، ولكنه يستمر في أخذ أدوية، من أجل المناعة والمتبرع أيضا بيكون طبيعي تماما، وتم رصد ذلك خلال الـ500 عملية السابقة. 

وأكد نبيه أن المركز أصبح يتوافد عليه عدد من الجنسيات الأخرى من الدول العربية منها: السعودية، سوريا، اليمن، ليبيا، اليمن، الأردن، فلسطين، مؤكدا أن مدينة المنصورة أصبحت مدينة السياحة العلاجية. 

وعن الإمكانيات التي يحتاجها مركز جراحة الجهاز الهضمي قال:"نحتاج دعم المركز ماديا لشراء معدات وأجهزة طبية، أو دعم المرضى، عن طريق الجمعيات الأهلية، لأنه يوجد بعض المرضى لم يتمكنوا من توفير تكلفة العملية، فتكلفة جراحة زرع الكبد تصل إلى ما يزيد على الـ220 ألف جنيها مصري، وهى أرخص مكان في مصر والعالم، ويوجد عدد كبير من المتبرعين يدعمون المرضى، ولكن لابد من المزيد، وأطباء المركز على استعداد للعمل والتبرع من أجل المرضي، وفى أحيان كثيرة تم إجراء عمليات لمرضى وقاموا بالدفع بعد أيام طويلة من العملية: "مينفعش نسيب مريض عشان فلوس وممكن نستغني عن رواتبنا". 

وعن بعض الأشخاص الذين يقومون بتجارة الأعضاء أكد أن المركز لا يقبل أي متبرع، إلا بعد استيفائه لجميع الشروط، وأهمها قرابته للمريض، وإذا تم الشك في ذلك، نقوم بالتواصل مع الجهات المختصة، مثل السجل المدني، أما في حالة وجود حالة من أطفال الشوارع فلم نصادف ذلك حتى الآن، ولكن في حال وجود أطفال أخرى فنسبة 75% من الأمهات هن الأكثر تبرعا لأولادهم، والأشقاء، وهى الحالات التي تؤثر كثيرا على المشاعر الإنسانية".

وعن أكثر نسب التبرع في المركز قال:"الزوجات الذين يتبرعون لأزواجهن بفصوص من أكبادهن هن الأكثر، ووصل عددهن إلى 57 زوجة، ومن ضمن الـ508 عملية تبرع زوج واحد فقط لزوجته بفص من كبده، وأكثر من 100 حالة تبرع الأبناء لآبائهم".

عقب لقاء الدكتور نبيه انتقلنا إلى الطابق السابع بالمستشفى؛ الذي يوجد بداخله المرضى الذين أجروا جراحات زرع الكبد، كانت البداية في لقاء مع أحد الأشخاص قصته لم يتخيلها حتى كتاب سيناريوهات الأفلام والمسلسلات، يحكي الزوج مهدي محمد السيد من محافظة البحيرة، الذي يبلغ من العمر44 عاما حكايته مع زوجته والمرض قائلا:" تزوجت منذ 14 عاما، ولكنني أصبت بفيروس C، وقررت أن أقوم بالكشف في عيادة الدكتور محمد عبد الوهاب، وبعد قرار الطبيب بإجراء عملية زرع الكبد، حولني إلى مركز جراحة الجهاز الهضمي، وقررت زوجتي أن تتبرع لي بفص من كبدها، ولكنني رفضت ذلك ولكنها صممت وقالت لى:"أنا مش هسيبك لو حتى آخر يوم في عمري وهتبرع ليك ولو بكل أعضاء جسمي" وتم عمل الإجراءات والفحوصات الطبية لي أنا وزوجتي، وتم تحديد موعد العملية، والحمد لله نجت وأنا بخير الآن، وأشعر بالتحسن يوما بعد يوم، وزوجتي أصبحت بخير وتأتى لي يوميا للاطمئنان على صحتي.

وأشاد بالخدمة الطبية المقدمة له في مركز الجاهز الهضمي، قائلا: "والله لو كل الناس بتشتغل زى اللى بيشتغلوا في المركز هنكون أحسن دولة في العالم"، وعن أمنياته بعد إجرائه للعملية قال:" كل ما أتمناه هو أن يرزقني الله بالذرية الصالحة من أجل زوجتي التي ضحت بنفسها من أجلي".
وفى الغرفة المجاورة لمهدي كان يجلس أحمد ووالدته، من محافظة السويس، وقد قرر أحمد التبرع بفص من كبده من أجل إنقاذ والدته وبالرغم من أنه ضابط في الكلية الحربية إلا أنه لم يفكر في شيء سوى إنقاذ والدته التي تروى قصتها مع المرض وتقول:"كنت مصابة بتليف في الكبد وجئت إلى الدكتور محمد عبد الوهاب، وقام بالكشف على، وقال لي أن أقوم بإجراء عملية لزرع الكبد".

وأضافت:"بدأنا إجراء التحاليل من أجل التجهز للعملية، وقرر نجلي التبرع لي وأنا رفضت ذلك لأنني كنت أشعر بالخوف عليه، ولكنني قمت بالدعاء لله من أجل شفائه"، وأشادت بالأداء الطبي المتواجد بداخل المركز قائلة:"أول ما جيت هنا كان بداخلي نوع من القلق ولكنني فوجئت بخدمة طبية لم أكن أتخيلها من تمريض وأطباء وكل شيء ولم يقصروا في شيء".

أما أحمد صابر المتبرع لوالدته فقام بتقبيل يدها ورأسها وقال لها:"أنا أفديكِ بعمري يا أمي ولو كانوا طلبوا منى كل أعضاء جسمي لن أبخل عنك بشيء" وأكد أنه لم يفكر أثناء قراره بالتبرع لوالدته، على تأثر مستقبله كونه ضابطا في البحرية المدينة.

وأكدت ليلى عبد الرحمن رئيسة قسم التمريض، أنه يتم تنظيم دورات تدريبية للممرضات دائما، على كيفية التعامل مع المريض، وبتم التعامل مع جميع المرضى نفسيا وإنسانيا، ونكون في خدمتهم من أجل شعورهم بالراحة، خاصة أنه يوجد عدد كبير من المرضي يأتون من محافظات أخرى.

الجريدة الرسمية