رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

في معية يوسف (٤)


الأرحام جمع رحم، وهو في الأصل مكان تكون الجنين في بطن أمه، ثم أطلق على القرابة، وهو مشتق من الرحمة.. وتمثل صلة الرحم قيمة أخلاقية وإنسانية عليا، حض عليها الإسلام وأشاد بها في مواضع كثيرة، وأن يصل الإنسان أمه أو أباه أو إخوته أو أحدا من أقربائه، فهذا يعد من أعظم القربات إلى الله.. يقول تعالى: "واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا" (النساء: ١)..


وقد قرن تعالى بين التقوى وصلة الرحم ليدل على أهمية هذه الرابطة الإنسانية، فالناس جميعا من أصل واحد، وهم إخوة في الإنسانية والنسب، ولو أدرك الناس هذا لعاشوا في سعادة وأمان، ولما كانت هناك حروب طاحنة مدمرة تأكل الأخضر واليابس، وتقضى على الكهل والوليد (صفوة التفاسير، للصابونى)..

وصلة الرحم كما فسرها الإمام النووي (رحمه الله): هي الإحسان إلى الأقارب على حسب حال الواصل والموصول، فتارة تكون بالمال وتارة بالخدمة وتارة بالزيارة والسلام، إلى غير ذلك.. يقول النبى (ص): "بروا أرحامكم ولو بسلام" (رواه البزار).. ويقول أيضا: "الرحم معلقة بالعرش، تقول: من وصلنى وصله الله، ومن قطعنى قطعه الله" (رواه البخاري ومسلم)..

ومن الرحم تنبع الإخوة؛ عنوان المودة والمحبة وصدق العاطفة وما يعكسه ذلك من قوة التماسك والوحدة، سواء على مستوى الأسرة أو المجتمع.. وعلى قدر عمق الأخوة وصلابتها ومتانتها بين الأفراد، على قدر ما يحدث من رقى وتقدم وازدهارللمجتمع، والعكس.. وقد يصيب الإخوة نوع من الفتور أو الضعف، وقد تقع فريسة لنزاع أو خلاف على إرث، كما يحدث أحيانا، فيفسدها، ويؤدى في النهاية إلى التفكك والتشرذم، فضلا عن الحقد والكراهية والبغضاء..

ومن ثم وجب أن يعمل الجميع على صيانتها ورعايتها والمحافظة عليها بكل الوسائل والسبل.. وفى الحديث: "من وصل رحما وصلته، ومن قطعها قطعته".. ومن الأقوال الشهيرة عند المصريين: "اللى ما لوش خير في أهله، ما لوش خير في حد".. في قصة يوسف (عليه السلام) رأينا كيف لعبت الغيرة برءوس إخوة يوسف بسبب محبة أبيه له، فقرروا التخلص منه وإبعاده عن حياتهم، وذلك بإلقائه في غيابة الجب(!)..

وحتى يبدو الأمر طبيعيا، ذهبوا يستأذنون أباهم في أخذ يوسف معهم كى يتمكنوا من تنفيذ جريمتهم الشنعاء، وهم في مأمن من أن يراهم أحد.. ولشعور الأب بسوء نواياهم، رفض الاستجابة في بادئ الأمر، فألحوا عليه معاتبين ومستنكرين: "يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف".. لم يفطنوا أن الأب يعقوب يعلم مدى كذبهم، فهو خبير بهم وبأساليبهم ومدى ما توحى به نظراتهم وحركاتهم وسكناتهم.. حتى عندما زعموا أنهم يريدون ليوسف الخير "وإنا له لناصحون"، (وإنا واللام هنا للتوكيد)، كان على يقين أنهم يكذبون..

ولمزيد من التغطية والتمويه، ادعى الإخوة كذبا أنهم يستهدفون قضاء وقت مبهج يروح فيه يوسف عن نفسه، وأنهم سوف يحافظون على حياته، لعل الأب يسمح لهم: "ارسله معنا غدا يرتع ويلعب، وإنا له لحافظون".. فماذا كان رده عليهم؟
هذا ما سوف نلقى عليه الضوء في الأسبوع المقبل إن شاء الله.
Advertisements
الجريدة الرسمية