رئيس التحرير
عصام كامل

حلول عملية لمهزلة تفاوت الأجور


حتى في ظل هذا الغلاء الرهيب الذي لم تعرف مصر مثله، تبقى كارثة الأجور في مصر المهزلة الأكبر في حياة المصريين، فلقد كانت الأغلبية ومنهم كاتب هذا المقال، تعتقد أن السادة الكبار فقط وأصحاب المناصب النافذة هم فقط من يحصلون على رواتب فلكية وخيالية قياسا ببقية الموظفين والعمال المصريين، إلا أن الكثيرين قد إندهشوا للغاية عندما سمعوا تصريح السيد وزير النقل عن أجور العاملين في مرفق مترو الأنفاق، فقد أكد سيادته أن راتب سائق قطار المترو يبدأ من 8 آلاف جنيه ويتتدرج حتى يصل لـ11 ألفا.. أي ببساطة تجد أن راتب أصغر سائق يعادل مجموع رواتب ثمانية معلمين جدد أو 4 ممن تجاوز بعضهم 25 عاما في الخدمة، وفى تعليم أبناء مصر مما يشى بالكثير عن تقدير الدولة للتعليم والعمل، ودوره في حياة المصريين!


ليت الأمر يتوقف فقط عند المعلمين الذين أهدر الكثيرون منهم حقوقهم بأيديهم، عندما تخاذلوا منذ زمن بعيد عن وجودهم في نهاية السلم الوظيفى المصرى، وذهب أكثريتهم مستسلما للعمل بعد الظهر في الدروس الخصوصية، أو في عمل إضافي لتعويض خيبة راوتبهم الهزيلة والعبثية، لكن المشكلة تتضح أكثر في التفاوت الرهيب بين وزارات معينة غير إنتاجية خدمية مثلا كالصحة أو الشئون الإجتماعية أو الرى أو الزراعة لتجد أن راتب الموظف هناك في نهاية حياته الوظيفية لا يبلغ نصف مقدار ما يحصل عليه موظف شباك التذاكر في المترو، والذي يتراوح بين 5 إلى 7 آلاف جنيه شهريا حسب الدرجة الوظيفية حسبما نشر الزملاء المجتهدون في (فيتو) مذ أيام قليلة وفقا للعاملين هناك أنفسهم، والذين ساءهم حديث وزيرهم عن الرواتب!

هل جريمة هؤلاء المظلومين من الموظفين المصريين أن وزارتهم غير منتجهةمثل وزارات الكهرباء والإسكان وقطاع الأعمال، والتي يحصل موظفوها المحظوظون على رواتب فلكية، هل من العدل والإنصاف أن يحصل موظف على راتب هزيل يدفعه للتسول أو الشقاء أو حتى السرقة بينما يحصل آخر يقوم بنفس العمل ويحمل نفس الدرجة العلمية على عشرة أضعاف راتب الأول.. فقط لأنه محظوظ وتم تعيينه في وزارة منتجة أو غنية!

هل مصر وطن مفترض فيه أن يساوى بين مواطنيه، أم مجرد كيان استغلالى ينتهز رقة حال من يعملون فيه وحاجتهم و(حوجتهم) لأى دخل، فيلقى لمن يشاء منهم بالفتات ويمنح من يشاء امتيازات فلكية؟.. هل من يحصلون على رواتب هزيلة عبيد أم مصريون يحملون الجنسية المصرية ويؤدون واجبهم الوطنى مثل غيرهم من المحظوظين!

إنها لكارثة اجتماعية واقتصادية تسهم في زيادة التضخم واستعار الغلاء وتهديد الأمن والسلم الاجتماعى، ذلك لأن من لديه القوة الشرائية يحصل على ما يريد وبأى ثمن، لأنه يضمن دخلا مميزا، بينما الفقير يعانى وينحدر به الحال لدرك لا نعلم جميعا عقباه.. مع أن الأمر يسير جدا، ومن السهل تداركه لو أعيدت هيكلة منظومة الرواتب بشىء من العدل، حيث يتم تقارب الأجر بنسبة لا تزيد على 5% لمن يحملون نفس الشهاده أو الدرجة العلمية، وإن كان هناك صعوبة في ذلك، تستطيع الدولة سياديا فرض ضريبة كبيرة على أصحاب الدخول المرتفعة يحصل على عائدها أصحاب الدخول المنخفضة والهزيلة حتى يتم مساواتهم تدريجيا وعلى مراحل زمنية متقاربة.

تخيل أن الموظف الذي يحصل على 40 ألفا وأكثر مقابل العمل في البنوك، أو من يحصل على 30 أو 20 ألفا ممن يعملون في البترول، وحتى من يحصل على 15 ألفا أو أقل في الشركات القابضة كالكهرباء والماء والغاز والنقل والمالية قد دفع ضريبة تقدر بـ30 إلى 50% من دخله لبقية فئات المجتمع المظلومة والمنتهكة والمفقورة لحساب المحظوظين، ساعتها فقط سينخفض التضخم وسيحدث توازن حقيقى في القوة الشرائية لدى المواطنين، حتى مع وجود كارثة تعويم الجنيه، والتي أغرقت الجميع في مستنقع الفقر المدقع، والغلاء الفاحش والفاجر.. لكن يبدو أن الحكومات المتعاقبة منذ عهد الرئيس المؤمن أنور السادات، تجد في الفقر للأغلبية منفعة وخير.. أو كما يهذى البعض ويقول: "كله يصب في مصلحة المواطن الفقير".. هذا عن الرواتب أما مهزلة المعاشات فهذا شأن آخر يسعه مقال جديد بإذن الله.
fotuheng@gmail.com
الجريدة الرسمية