رئيس التحرير
عصام كامل

محمد طلعت يكتب: عقوبة «الإعدام» بين مؤيد ومعارض

محمد طلعت
محمد طلعت

قال تعالى: "ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب"، ولكن القصاص يتحقق دومًا بعدة محاور أهمها أن تثبت التهمة على المتهم كاملة ودون أي شك أو عدم يقين، وهناك جرائم عديدة في القوانين المصرية والعالمية تعاقب على الإعدام، ويوجد أحكام تصدر بالإعدام على أعمال غير مجرمة، ولا يوجد بها نص دينى صريح بالإعدام، كالتخطيط لأعمال تخريب، والزنا، وسب وقذف ملك أو رئيس، وهناك دول يتم إعدام شخص دون وجه حق لإبداء رأيه المخالف للملك أو الرئيس.


لا أمانع أن تسلبوا حرية شخص ارتكب جريمة تأذى بسببها إنسان أو أكثر دون ذنب، ولكن هل حكم الإعدام على طفل لم يكمل عامه الثامن عشر قصاصا؟، هل إصدار الحكم بإعدام معاق ذهنيًا أو من ذوى الاحتياجات الخاصة قصاص، وهنا السؤال الأهم والأوضح، هل الأوراق التي يتم الحكم من خلالها هي أساس القصاص؟!

طالب الملايين خلال الفترة الماضية بإعدام "الكائن"، مغتصب طفلة البامبرز، ولكن هل إعدامه سيوقف الجريمة أو يحد منها؟!، ويجب أن نتذكر أن مصر سجلت أول تنفيذ لحكم الإعدام بالقرن الـ16، كما أن مصر تعاقب بالإعدام على 105 جرائم، وأشهرها القتل العمد – الاغتصاب – التجسس – الاتجار في المخدرات، الاتجار في الأسلحة، بخلاف الأحكام العسكرية التي ينظمها قانونها الخاص.

ليس هناك حسم بأن عقوبة الإعدام في مصر نجحت في مكافحة الجرائم المختلفة أو كانت سببًا في حفظ الأمن، والشريعة الإسلامية حددت "القصاص"، أو الإعدام، في حال ثبوت جريمة القتل ضد شخص ما، وبشروط محددة وصارمة عند ثبوت حالات كالواط أو الردة، وفي حالة جريمة القتل يرجع الأمر لولي أمر المقتول، فهم يخيرون بين إعدام القاتل أو قبول الدية أو العفو عنه.

وأكد البعض من المهتمين بذلك الشأن أن الشريعة الإسلامية والتي هي المصدر الرئيسي للتشريع، لم تسرف في استخدام هذه العقوبة ولم تعاقب بالإعدام إلا في ثلاث جرائم، وأن التوسع في عقوبة الإعدام لا يمت للشريعة بصلة، ولكن هي اجتهادات تشريعية وفقهية وقضائية وجب إعادة النظر فيها، رافضين العقوبة في حالات جرائم السرقة والرشوة والاختطاف والتهريب والتجسس، موضحين أن عقوبة الموت تنحصر في مجال عقوبة القصاص فقط، وأن عقوبة القصاص ليست إلزامية ويمكن أن يحل محلها العفو أو الدية.

إن عقوبة الإعدام أو "الموت" كما يطلق عليها رجال العدل في فرنسا، متعلقة بحياة شخص، ولذلك في ظل الحالة الأمنية والأمور الحتمية التي تمر بها مصر الآن، يرى البعض أنه لا بد من ضبط النفس والتروي في إصدار الأحكام، والقضاء الفرنسي يصفه بأنه حكم الخطأ الذي لا علاج له.

كما أن هناك العديد من القضايا التي حكم فيها بالإعدام منذ عام 1997 وثبتت براءة بعض المتهمين، كما أن هناك قضايا لم يكن الحكم معقولًا أو مصدقا لدى عموم الشعب، ففى عام 2007 تم الحكم على 10 متهمين في كفر الشيخ بالإعدام، والغريب أنه كان بينهم "قاصر"، لم يتم 17 عامًا، كما تم الحكم على ثلاثة أشقاء بالإعدام في جريمة أخذ بها البعض بذنب لم يرتكبوه، وأخيرًا نجحت محكمة النقض في أن تبرئ مواطنا تم الحكم عليه مرتين بالإعدام للقتل، ولكن كان دافع القتل "سرقة كاوتش" وبرأته المحكمة، التي وجدت الأمر غير منطقى ولا يصدق أن يقتل شخص لسرقة كاوتش.

أما لجوء القضاء لمفتى الجمهورية لاستبيان الرأي بالعقوبة أم لا فهو أمر غير مجدي، فرأي المفتي غير ملزم ويؤخذ به فقط للاستشارة، وبالتالى فليس هناك رقابة على إصدار حكم الإعدام في مصر، ويعرف أن القضايا التي تمس المجتمع في الغالب تكون سريعة في التداول وهو ما لا يوفر للمتهم محاكمة عادلة، للتسرع في تلك القضايا.

من جانبه صرح وكيل نائب عام سابق، تولى محكمة النقض فترة من الوقت، أنه حضر حالتي إعدام في صغره، واعترف له "عشماوى"، أن المتهم بمجرد وضع الحبل على رقبته يموت قبل أن ينفذ الحكم فيه، وتحدى أن يثبت أي طبيب شرعى غير ذلك.

وفى تصريحات سابقة قال الدكتور على عبد الباقى، أمين عام مجمع البحوث الإسلامية الأسبق، إن عقوبة الإعدام، في الإسلام بها شقان، الأول يختص بالقصاص و«الحدود»، وهنا لا يطلق عليه إعدام ولكن تعد مساواة الجريمة بالعقوبة، فمن قتل يقتل، وهناك حالات إعدام كما في قول الله تعالى "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزى في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم"، وتلك هي عقوبة الإفساد في الأرض، والذي لا يرتضيه الإسلام، وأن هناك عقوبات تعزيرية دون الحدود تصل إلى حد الإعدام وهى متروكة التقدير لولى الأمر لأنه المسئول الأول عن أمن المجتمع.

وأضاف عبد الباقي- في تصريحات سابقة- أن الإسلام ينهى عن الإسراف في عقوبة الإعدام، والأمور السابقة التي ذكرت هي أمور يباح فيها القتل أو إقامة حد الإعدام، ورغم هذه الإباحة إلا أن الإسلام ينادى دائما بالعفو، ويجعل جزاء العفو من الله سبحانه وتعالى: "فمن عفا وأصلح فأجره على الله"، وذلك لينهى عن التوسع في عقوبة الإعدام، مؤكدًا أن وجود 105 جرائم تعاقب بالإعدام فهو إسراف من قبل المشرع وهذه أمور منهى عنها، لأن أمن المجتمع هو الذي تبحث عنه الشريعة الإسلامية، أما ما تستبيحه الحكومات والدول في سن الإعدام كلها أمور منهى عنها.

ومن أهم الحجج التي يستند إليها المعارضون لعقوبة الإعدام، أن عقوبة الإعدام ليست من حق المجتمع، مبررين ذلك بأن حياة الإنسان ليست منحة منه، حتى يكون من حقه أن يسلبها منه، وإن العقوبة بها طابع وحشى، وشديدة القسوة، متنافية مع الإنسانية، ولا بد أن يتم العدول عنها مع التقدم الحديث، مراعاة لشعور الناس لأنها تمثل نوعًا من الانتقام الذي يجب على الشعوب أن تنأى عنه.

كما يرى المعارضون، أن عقوبة الإعدام في كثير من الجرائم التي نصت عليها القوانين ليست مناسبة مع خطورتها، ولا تصل أهميتها إلى إزهاق روح مرتكبها، موضحين أن أخطر ما في عقوبة الإعدام أنه إذا شاب توقيعها خطأ فلن يتيسر إصلاحه أبدًا، خلافًا للعقوبات الأخرى، وأن أثرها لتحقيق الردع الخاص بتلك الجرائم محل شك، لأن الدول التي ألغت عقوبة الإعدام لم يحدث فيها أن زادت نسبة الجرائم التي كان معاقبًا عليها بالإعدام.

أما مؤيدو عقوبة الإعدام فيجدون أنها من أنسب العقوبات للمجرمين الخطرين، الذين لا يجدى معهم سوى الاستئصال، وأنها تحقق الردع العام، أو التخويف الجماعى بما تحمله من التهديد بإزهاق روح الجانى، كما تحقق الوظيفة الأخلاقية للعقوبة؛ باعتبارها شرًا يتكافأ مع شر الجريمة، وأن العقوبة التالية لها في الشدة وهى السجن المؤبد لا تصلح كبديل لها، وأنها قليلة التكلفة، وأنها ترضى المشاعر العامة، والشعور بالعدالة، وتحد من الانتقام والثأر.

ومن هنا، عزيزي القارئ، بين مؤيد ومعارض اختلفت وجهات النظر في عقوبة الإعدام وجدواها، وتم عرضها على قدر فهمي لما قرأت، فهل أنت مع أم ضد، فذلك موقف عليك أن تتخذه بنفسك دون أن تتأثر بحدث أو فعل أو رأي، فأنت صاحب القرار الأوحد في رفض أو قبول عقوبة الإعدام.
الجريدة الرسمية