رئيس التحرير
عصام كامل

الدكتور أحمد عبد الله أستاذ الطب النفسي: تأهيل المساجين نفسيا يحول دون اعتناقهم الفكر التكفيري

فيتو

"الجهاد في سبيل الله" عبارة تظل دومًا ملاذًا مريحًا لأصحاب الفكر المتطرف ومدعي التدين، فهى تدخل في قلوبهم السكينة وتجعلهم يبررون الفواحش التي يرتكبونها دون أدنى إحساس بالذنب، وعلى هذا الدرب يسير كل الإرهابيين، وهكذا سار القادة الأوائل أيضًا، وعلى رأسهم مؤسس جماعة التكفير والهجرة، شكري مصطفى، الذي يؤكد الدكتور أحمد عبد الله، أستاذ الطب النفسي في جامعة الزقازيق، أنه استغل ما كان يجري في السجون خلال فترة الستينيات ليرسم صورة مغايرة للإسلام، مدللًا على ذلك بمجموعة من الشواهد والديباجات التي تتوافق مع هواه ليجذب الناس حوله.

عبد الله أكد في حوار لـ “فيتو” في إطار ملفها عن جماعات الدم، وتستهله بجماعة التكفير والهجرة، أن جماعة التكفير والهجرة لا يمكن التعامل معها بمعزل عن حركات الهيبز، التي نشأت في نفس التوقيت في الغرب في الستينيات والسبعينيات، ولكن الأجهزة المختصة هناك نجحت في احتواء هؤلاء الشباب، وبحثت عن سبل لمجابهة الظاهرة إلى أن اختفت تمامًا،.. وإلى نص الحوار:



> برأيك ما التحليل النفسي لشخصية مؤسس جماعة التكفير والهجرة شكري مصطفى؟
التحليل بدون مقابلته شبه مستحيل، ولكن ما أقوله هو انطباعات عما قرأته وما سمعته، مصطفى كان في شبابه يتميز بالذكاء والحماس كأبناء جيله، إلا أن دخوله السجن وممارسات التعذيب التي كانت تحدث في الستينيات ولدت لديه فكرة أنه لا يمكن أن يكون الذين يفعلون هذا الكلام في السجون مسلمين، وبدأ يبحث عن مخرج يتوافق مع هواه ليبرر أفكاره الهدامة، ومن هنا رسم صورة مغايرة للإسلام، مفادها أن الآخرين هم كفار، ودلل على ذلك بشواهد أو ديباجات استطاع من خلالها إقناع الناس بفكره، من منطلق الأزمة التي يمر بها، وكانت هذه وسيلته للبحث عن حلها، بحجة أنه كيف لمسلم أن يفعل ذلك بمسلم مثله؟!.

> برأيك هل المناخ العام في الصعيد الذي تربى فيه أسهم في تشكيل شخصيته، خاصة أن غالبية تلك الأفكار جاءت من الجنوب؟
أي شيء يتعرض له الفرد يؤثر في تشكيل شخصيته، والصعيد بالذات في ذلك الوقت كان يتيح الفرصة لتشكيل شخصية مثل مصطفى، فلم يكن هناك تنمية أو أي محاولة للتمدن، إلى جانب غياب الوعي، وقلة فرصة العمل، وكل من عاش هناك في تلك الفترة بالطبع شعر بالتمييز، وانعدام الخدمات، والوضع العام في الصعيد كان كما لو أنه في مرحلة ما قبل التاريخ أو كأنه مصر أخرى، أضف إلى ذلك التعذيب الذي ذاقه في سجون عبد الناصر بدلًا من تأهيله!

> كيف تفسر من الناحية النفسية لجوء شكري وأتباعه إلى العنف المفرط؟
يوجد كلام كثير حول أن جزءًا من المكون الوحشي للشخصيات المتطرفة والعنيفة ناتج عن بقاء عدد كبير منهم في السجون لفترات طويلة، أنا لا أتعاطف مع شكري وأمثاله، ولكن مثل هؤلاء يجدون فرصة سانحة في مثل هذه الظروف، لتغليف المسألة بالدين، لذا ينبغي تفويت الفرصة عليهم من البداية، لكن بعض الأجهزة تغلف قمعها بحجة الحفاظ على المجتمع.
شكري مصطفى مثله مثل كثير من الناس، لكنه كان أذكى بعض الشيء ولديه كاريزما في سن صغيرة، فبدأ يجمع هذا الكلام وينتج هذا الفكر، حتى مرشد الإخوان وقتها، حسن الهضيبي، أصدر كتاب “دعاة لا قضاة” للرد على أفكار التكفير لكي لا ينتشر هذا الفكر، إلا أن مصطفى لم يعبأ واستمر في أفكاره، وبدأ يلتف حوله كثيرون ممن لديهم مظالم وبدأت الفكرة تنتشر.

> ولكن شكري أعجب في شبابه بأفكار سيد قطب الهدامة لذا كان مصيره السجن؟
ليس من المنطقي أن ألقي الشباب في السجون لمجرد أفكار، وإنما أواجه الفكرة بالحوار، ثم تتم عملية “الفلترة”، هناك من سيقتنع، وآخرون سيصرون على موقفهم، وهنا أحدد أن فلانًا يستحق المعاقبة بالقانون، لأنه مجرم وآخر نجح الحوار معه، أتذكر موقفًا مشابهًا لشاب كان عمره 18 عامًا، طالب في الأزهر، بدأ يدخل على الإنترنت، يقرأ أفكارًا ويدونها، وبدأ يحدث لديه التباسات وكان ينتقد الرئيس الأسبق حسني مبارك، فبدلًا من أن نسأل ما تأثير هذه الكتابات على هذه السن الصغيرة من الشباب لاحتواء المشكلة، تمت عقوبته بـأربع سنوات حبسًا بتهمة ترويج الأفكار الهدامة، والتهكم على الرئيس الأسبق وما شابه ذلك، فهل بذلك تم حل المشكلة؟ بالطبع لا، سيخرج آلاف غيره يسلكون نفس الطريق، لأنها لم تحل المسألة من الجذور، نفس القصة مع مصطفى أعجب بقطب، لأنه كان عنده لغة بلاغية يستطيع من خلالها جذب أنصاف المثقفين، وبدلًا من محاربة أفكاره تم وضعه في السجن الذي يعني إهانة وتعذيبًا، فقرر الخروج لينتقم، علمًا بأن من هم في هذه السن من غير الطبيعي ألا يمروا بمرحلة مراهقة تحتاج لاحتوائهم.

> من الناحية النفسية، لماذا عاود شكري النشاط الإرهابي بعد العفو عنه عقب حرب 1973م؟
هناك خطآن، الأول هو الشعور بالظلم والإهانة، والثاني هو أن مصر في السبعينيات شهدت عصر الانفتاح، أشخاص أغنياء جدًا وآخرون فقراء للغاية، فوجد أن الحياة تتعقد جدًا، في ظل الفروق الطبقية، فرفض المجتمع وكفر الجميع، وبدأت تتنشر بين جماعة التكفير والهجرة فكرة البحث عن الحياة بأقل التكاليف، بحيث يترك الشباب دراستهم، وينضمون للجماعة ويتزوجون بدون تكاليف باهظة، ويعيشون حياة التقشف، وفي رأيي جماعة التكفير والهجرة لا يمكن عزلها عن حركات الهيبز التي انتشرت في أوروبا وأمريكا في الستينيات وبداية السبعينيات، التي قادها شباب حاولوا تغيير المجتمع وفقًا لهواهم، نتيجة شعورهم بالطبقية، وحينها بدأت الأسر تقلق، لكن الحكومات الغربية نجحت في استيعاب الشباب الغاضب، إلى أن اختفت الظاهرة.

> هل هناك مجموعة من الصفات المشتركة التي تجمع بين شكري وحاملي الفكر المتطرف؟ وما أبرزها؟
الخيط الجامع المشترك بين كل الجماعات الإرهابية ونضيف معهم السلطة المستبدة يتمثل في أمرين: الأول هو الفكر الأحادي أو الفاشي الذي يعتمد على نظرية: «أنا فقط صح ولا يوجد أحد غيري لديه ذرة حق، أنا لا أغلط والجميع أغبياء» الأمر الثاني هو فرض الفكر بالقوة والعنف ورفض الحوار، وهذا يضيف فكرة التسلطية، وتتغذى هذه الجماعات على العنف، كما الحال مع شكري فكانت النتيجة اغتياله لعالم جليل مثل الذهبي وزير الأوقاف الأسبق.

> أنت بذلك ترى أن السلطة أسهمت في كراهيته للمجتمع؟
بالتأكيد.. حين يتم انتهاك آدمية أي شخص لا بد أن يكره المجتمع، والانتهاكات تشمل ضرب الأم لأولادها، وانتهاك كرامة الشخص من جانب الأب، مدير في المدرسة أو السلطة التي يوجد لديها صلاحيات وأدوات بطش أكبر، وأي سلطة تستخدم العنف ضد المسجونين، فالنتيجة تكون مشروع مجرم وغير آدمي وإرهابيًا، لذا نطالب دومًا بإدخال الأخصائيين النفسيين للسجون ومخاطبة السجناء، وذلك لمنع المعتقلين - قل عددهم أو كثر- من التحول إلى مشاريع تكفيرية، فالشخص الذي يدخل السجن ويتعرض لضغوط دون أن يحاول أحد محاربة أفكاره بأفكار مغايرة يبدأ عقله يشتغل بمزيد من الأفكار السلبية، التي يعود مردودها على المجتمع بعد خروجه من السجن، وهناك حالتان إما أن يخرج مكسورًا منتهيًا لا رجا منه أو يخرج قنبلة موقوتة كما الحال مع مصطفى شكري.

> هل ترى أن شكري يجسد عقيدة شخصيات تعيش داخل مجتمعنا؟
نعم مجتمعنا به آلاف النماذج من مصطفى وأسوأ من ذلك، إذا أعطاهم أحد السلاح سنرى كوارث، على سبيل المثال يوجد كتاب اسمه “حتى ينتهي النفط” يرصد طبيعة التشوهات والضغوطات التي تتعرض لها العمالة المصرية في الخليج، علينا أن نتخيل إذا تم استقطاب هؤلاء سيكونون فريسة سهلة الاصطياد، خاصة إذا أقنعه أحد أن المسألة ليس لها مخرج غير الدين الذين يفسرونه على هواهم، فلن يتردد وسينضم إلى أولئك فورًا، الناس التي لا تجد المأكل أو الانتماء والحضن بينها وبين الإرهاب خطوة.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"
الجريدة الرسمية