رئيس التحرير
عصام كامل

أحمد بهجت يكتب: «28 ألف عامل يعملون في الزفت»

أحمد بهجت
أحمد بهجت

في مجلة صباح الخير عام 1957 كتب أحمد بهجت مقالا قال فيه:

يسأل الشخص منا الآخر: إزى حالك كده ؟ فيرد: زفت.
ليه يا راجل ؟ فيقول: والله تعبان في الشغل وقرفان في البيت وابنى عيان ومش لاقى فلوس وحالى كده زى الزفت.

بينى وبينك الإنسان يظلم الزفت، فهذا الساحر الأسود يلعب في حضارتنا دور الجندى المجهول الذي يفنى ذاته في صمت ولا يتلقى غير الشتائم كجزاء.

وللزفت تاريخ يضرب جذوره في القدم أكثر من خمسة آلاف سنة، فرمسيس وسيتى لو بعثا من القبر وخرجا يطوفان بالقاهرة سوف تمتلئ عيونهما بالدهشة والألم والمرارة، سيقول رمسيس إن الزفت كان أيامه لا يستعمل إلا في الأغراض الدينية المقدسة، وتحتمس الثالث نفسه كان يفرض على بعض المماليك التي أخضعها بسيفه أن تدفع الجزية من الزفت بدلا من الذهب وكان هذا منذ ثلاثة آلاف سنة.

وقبل ذلك عرف الإنسان "الزفت" في عصور قديمة، فقد كان البترول أحيانا يتسرب خلال الطبقات إلى الأرض ويتبخر ببطء ويخرج عنه البنزين والجاز والسولار والمازوت، ويخلف وراء كل ذلك الزفت الصلب.

كما عرف الزفت في العصور القديمة في إصلاح الآنية الفخارية المكسورة، وعند آثار بابل في الحضارات القديمة.. فإن أطلال مدينة بابل شاهدة على متانة القار الأسفلتى المستعمل في البناء، كما استعمله الفراعنة في طلاء السفن النيلية والمراكب الحربية، كما استخدموه في تحنيط جثث موتاهم، كما اشتق لفظ المومياء من (موم ) وهو الاسم القديم للزفت.


وجاءت الحضارة الحديثة.. وجاء الزفت يلمع من جديد فقد استخرج من عملية التقطير للزيت الخام عام 1833 ومن يومها والزفت يستخرج من البترول.

ومنذ عام 1951 بدأ استخدام الزفت في صيانة قناة السويس وتبطين قنوات الرى في أراضي الاستصلاح. إلا أن أعظم حسنات الزفت في مصر أنه يطعم آلاف الأسر من العمال الذين يعملون في رصف الطرق إلى المدن ويكسبون عيشهم من الزفت وهم 18 ألف عامل حسب مصلحة الطرق والكبارى.. وهكذا يظل عامل الطرق في الزفت طول حياته فإذا مات انتقل الزفت إلى أسرته.
الجريدة الرسمية