رئيس التحرير
عصام كامل

محمود حافظ يكتب: من دفتر أحوال البهجة

محمود حافظ
محمود حافظ

هناك قاعدة تقول: “إذا أردت أن تمتلك يجب أن تتنازل”.

يظن الكثيرون وإن بعض الظن إثم، أن البهجة قد تأتي بامتلاك أشياء ثمينة أو بكثرة المال أو بجولات السفر المتعددة بين البلدان أو بامتلاك سيارة على أحدث طراز أو أحد القصور الفارهة في أحد الكمبوندات الراقية.


فالحياة أصبحت كفرسى سباق أحدهما ما تملُك والآخر هو ما تريد، وكلما زاد السعي نحو الامتلاك كلما زاد طرديًا رصيدك من التنازلات، فمثلًا  إذا أردت أن تشتري شيئًا ثمين، عليك أن تتنازل عن صفاء روحك وسلامك مع نفسك، فهناك من يتنازل عن الاستمتاع بالوجود  بين عائلته ويرضى بسنوات الغُربة من أجل زيادة رصيده في البنك، وهناك من يتنازل عن  أجمل أيام عمره ويسعى خلف المال مقابل أن ينمي حجم استثماراته.

وعادة ما تبدأ اللعبة بقاعدة معروفة هي ”ماذا املُك اليوم وماذا سأملُك غدًا؟”،.. وتتسع دوامة الاستهلاك يومًا بعد الآخر  لتأخذك من الاستمتاع بما تملُكه فعلًا، ويا لها من مأساة أن تفيق بعد رحيل العمر لتجد نفسك وقد أضعت كل العصافير التي في اليد مقابل عصفور واحد  على الشجرة وتضيع الأيام في الجري والسعي لامتلاك كل ما هو نفيس ومُكلف بغية الشعور بالبهجة.

البهجة قد تجدها في فنجان قهوه تحتسيه في شرفه مطله على أحد الأحياء الشعبية الجميلة، وأنت تشاهد البسطاء من الناس وهم يسعون بحثا عن أرزاقهم، وقد لا تجد البهجة وأنت جالس في جناح في أفخم الفنادق المُطلة على البحر مجهزًا بأحدث أجهزة العصر ويطوف عليك الخدم والحشم.

البهجة قد تجدها في طبق فول بالزيت الحار مع رغيف خبز على عربة موجودة في ركن من أركان المحروسة، وقد لا تجدها في مائدة ضخمة مكتظة بأشهى أنواع المأكولات.

أرأيتم هذه السيدة الفلاحة البسيطة التي لم تبهرها أضواء المدينة، تسكن في منزل يطل على مساحة خضراء تحلب بقرتها وتصنع اللبن والجبن، ترعي الطيور وتزرع الورود وتربى الأحفاد تجدها صافية النفس تتمتع بهدوء والابتسامة لا تفارق وجنتيها ؟!..، في المقابل هناك سيدة مجتمع تهدر أيامها ما بين السفر  بالطائرات والتنقل بين البلدان وبين عالم الموضة والسهر في ارقي الفنادق، والتسوق في المولات ومكالمات لا تنقطع طوال اليوم هاتفيا أو عبر الشات، تضحك لكن ليس من القلب تفقد ظلها على ضفاف نهر حياه أصبح إيقاعها سريع تضيع في سباق بين ما تملكه اليوم وما تود أن تملكه غدًا. 

” يقول دكتور إسماعيل يوسف، أستاذ علم النفس بجامعة قناة السويس ”:

_ أن البهجة مُعدية فكن دائمًا مع الأشخاص المفعمين بالطاقة والتفاؤل الذين يضحكون باستمرار ولا يضعون الدنيا فوق رءوسهم حتى ينقلون إليك الطاقة الإيجابية وحب الحياة، لا تتخيل قدر البهجة التي ستشعر بها حين تدخل السعادة على قلب إنسان أتعسته الظروف، وسط زحمة حياتك وتكدسها بالأحداث المتلاحقة لا تنسى أن تخصص وقت لنفسك اضحك ارقص غنى وامرح أو اقرأ وارسم.

حاذر من تصفح حسابك الشخصى على مواقع التواصل لفترات طويلة وأنت تمر بإحدى نوبات الاكتئاب الموسمية حتى لا تطول تلك النوبة أكثر مما ينبغى، حاول أن تتجنب مطالعة “الاستاتيوس” أو ” التغريدات ” والصور التي ينشرها أصدقاؤك ستصطدم بالواقع الذي تسبب لك في الاكتئاب، والذي ستجده مصحوبا بتعليقات مختلفة تتنوع بين السباب والإحباط والفتى والزيطة.

لن تستطيع أن تشعر بالبهجة دون أن تحب الحياة ولن تستطيع أن تحب الحياة دون أن يكون لديك حافز قوى يجعلك تتحمل الضغوط الحياتية وتتجاوز العقبات لتحاول من جديد، تمسك بهذا الحافز بكل ما أوتيت من قوة واجعل لنفسك مجموعة من الأهداف والأحلام التي تعيش من أجل تحقيقها، حافظ على وجود علاقة روحانية بينك وبين ربك، احرص على أن تشعر الأشخاص المقربين لديك بحبك لهم واهتمامك بإدخال السعادة لقلوبهم عبر هدية بسيطة، أو حتى كلمة دافئة، لا يوجد شىء أكثر بهجة من الشعور بالإنجاز والرضا عن النفس بعد أداء مهمة عمل على النحو الأمثل، أو اقتراح وتنفيذ فكرة إبداعية تجعلك فخورا بنفسك وموضع تقدير ممن حولك.

يا صديقى هل تتذكر عندما كنا صغار؟،  كنا نلهو ونلعب وكانت ضحكتنا تخرج مجلجلة من القلب لا تشوبها شائبة ذلك العصر بإيقاعه السريع المخيف، كانت ابتسامتنا صافية لا يعكرها خوف من قادم مجهول أو عبث الامتلاك، كانت تسعدنا البالونات والحلوى واللعب في الحاره، كنا لم نعرف بعد ألعاب الآيباد والتابلت والبلايستيشن، كانت سعادتنا في بساطة الأشياء، نعم يا صديقى إذا أردنا البهجة حقا فعلينا بالبحث عن البساطة وعدم التكلف والاستمتاع بالتفاصيل.
Advertisements
الجريدة الرسمية