رئيس التحرير
عصام كامل

رسالة سيد فؤاد للرئيس السيسي


أتم مهرجان السينما الأفريقية بالأقصر منذ أيام عامه السادس، وتجاوز مرحلة الحبو والتهتهة والكي جي، وصار في الصف الأول، ونجح في اختبارات التفوق على كل أقرانه من المهرجانات الشابة والعجوزة في مصر، بما فيها مهرجان القاهرة السينمائي شخصيا، والذي يبدو أنه لن يجتاز مرحلة الخرف وألزهايمر التي حلت بكل جنباته، في ظل غيبوبة تمر بها وزارة الثقافة حاليا على كل المستويات.


على أي حال ليس هذا موضوعنا الآن، ولا يجب أن نخرج عن الاحتفال المدهش بالطفل المعجزة، الذي نجح في 6 سنوات فقط أن يتفوق بهذا الشكل، برئاسة هذا الثنائي العبقري (سيد فؤاد وعزة الحسيني) اللذين ينتميان شكلا وموضوعا لمدرسة القتال الناعم بحرفية واقتدار منذ 25 يناير وحتى الآن، حيث اقتنصا الموافقة على هذا المهرجان المهم في لحظات المخاض الثوري المتفجر، ليعبرا عن ثورة أخرى كان لابد أن تصاحبها على مستوى أفريقيا كلها وفي أهم دولة بها وهي مصر، ثورة ثقافية تعبر عن مضمون مايجب أن يحدث من تحولات لتخطي الجهل، والبحث عن صيغ جديدة للعلاقة والتكامل بين دول الحوض الأفريقي، لرأب صدع الشروخ السياسية، وإيجاد مساحة للتعايش والتسامح وإنتاج حالة من التعارف على أسس موضوعية، بعيدا عن التعالي وصيغ الشغب والتراشق والتهديد، وهو ما أزعم أنه نجح فيه مهرجان الأقصر المقام على هذا المتحف المفتوح الذي يضم ثلثي آثار العالم، في احتفالية بديعة متقنة وممهورة بتوقيع السيناريست المشاغب والمخرجة الحديدية.

ربما لهذه الأسباب كانت كلمة سيد فؤاد المختزلة الثاقبة في الختام، حين طالب رئيس الجمهورية شخصيا أن يكون المهرجان تحت رعايته، منوها إلى الدور السياسي الذي يمكن أن يلعبه فيما فشل فيه السياسيون، باعتباره القوة الناعمة القادرة على عبور الحواجز بالسينما وبالضيوف الذين وصل عددهم لما يتجاوز المائة ضيف منها ثلاثون فقط على الأقل من المغرب الشقيق الذي تم إهداء هذه الدورة له، ناهيك عن الاحتفال بخمسين سنة سينما أفريقية،وإصدار كتاب لذلك، بل ونجح المهرجان الذي يعاني من فقر ميزانيته كل عام في إنتاج أفلام من خلال ورشة عبقرية للمخرج الإثيوبي هايلي جريما، ناهيك عن عدة ورش أخرى، وصل عددها لخمس ورش سينمائية منها ورشة فادي حداد لتطوير السيناريو وورشة خالد الحجر للمحترفين، بالإضافة لورش المجتمع المحلي ومشاركة 120 شاب وفتاة من 27 محافظة، وكل ذلك بميزانية تقترب من 3 ملايين جنيه ونصف فقط.

أما حجم المتطوعين المتحمسين من الشباب في هذا المهرجان ولخاطر عيونه فحدث ولا حرج، حيث تلمس حالة من النشاط والحب والتعلم من شباب من صعيدي وبحري بصورة لا يمكن أن تجدها في أي مهرجان آخر هنا في مصر، أذكر أنني قابلت شبابا من الفنون الجميلة بجامعة جنوب الوادي ومن كليات أخرى بالصعيد كانوا يسعون لإنتاج أفلام بمصروفهم الشخصي، منهم مجموعة النحات الشاب والمعيد بهذه الكلية بجامعة المنصورة محمد حبيش، ومجموعة كبيرة كانوا يشترون الأثاث من بائعي الروبابيكيا، ويقومون بتدشينه بإحدي غرف الكلية في تكوينات سريالية، استعدادا لتقديم أعمال في بلاتوه صنعوه خصيصا لتصوير الأفلام، وقد شاهدنا إنتاج الشباب المحلي في ختام المهرجان على شاشة الكرنك، وكان شيئا بديعا تلك الأفلام التي خرجت عن ورشة جريما.

نحن إذن إزاء ثورة ثقافية موازية تحتاح كل الدعم من الدولة التي لا تفهم قيمة ثقافة السينما حتى هذه اللحظة أو حتى الدور السياسي والاجتماعي الذي يمكن أن يضيفه مهرجان بحجم الأقصر الأفريقي تحديدا، وكل ما أتمناه أن يصل صوت سيد فؤاد للرئيس السيسي، وأن يجد الدعم الحقيقي ربما ينجح فيما فشل فيه الساسة، وأن تكون الأقصر التي تشهد نشاطا غير مسبوق هي بالفعل بوابة مصر الجنوبية للانفتاح على أفريقيا والعالم، ويكفي فضيحة تجاهل قنواتنا الرسمية والفضائية لحدث افتتاح تدشين الأقصر عاصمة ثقافية لعام 2017 والتي اكتفت بنقلها النيل الثقافية، بينما كانت القنوات الأخري تسبح في برامج التوك شو الرديئة في وصلة ثورة مضادة لكل أدوات الارتقاء أو محاولة استعادة ريادتنا المفقودة على كل المستويات.
Insightly Gmail Gadget
الجريدة الرسمية