رئيس التحرير
عصام كامل

متعلقات سكان «جاردن سيتي» تروي تفاصيل الليلة المرعبة.. (تقرير مصور)

فيتو

الساعة تقترب من العاشرة، الليل يسكن أرجاء أحد شوارع حي "جاردن سيتي" فيزيده هدوءًا فوق هدوئه، صوت التلفاز يصدر من الشرفة القائمة بالطابق العلوى.. يكسر صوت التلفاز والأطفال التي تلهو بالشقق، طقطقة الجدران المتهالكة، وهي تعطي إنذاراتها الأخيرة بالسقوط، فلا ينتبه أحد لها فيظل التلفاز يحدث ضجيجه.. المسن أمامه يتابع الأحداث اليومية بنهم، والأطفال في الشقة المجاورة يلهون في حجرتهم الصغيرة.


يتهاوى المنزل تدريجيًا، مع استمرار صعود الأدخنة من بين أصوات الطقطقة والإنذارات، الجميع يهرول إلى الأسفل، كأنه يوم القيامة، الأجساد تنزف فتختلط دماؤها بالغبار، الصراخ يتزايد، التلفاز يصمت ويسقط العجوز ليغرق بين الأنقاض والحجارة وما تبقى من سنواته التي قضاها بشقته العتيقة.















ماذا يحدث ؟ نكاد نفقد صوابنا من هول المشهد، اختلطت الأمور ببعضها في رؤوسنا، كما اختلطت الأمتعة بالغبار والأحجار، فلا نعرف الآن هل نفرح لأننا وأولادنا بخير وخرجنا دون خسائر في الأرواح، أم نحزن على أننا فقدنا بيتنا وأمتعتنا و"شقى العمر" بين طرفة عين وأخرى!.

منذ فجر أمس، ونحن نصطف أمام الركام وكأننا نتعمد تعذيب أنفسنا بتكرار رؤية نفس المشهد بتفاصيله حتى يتعلق بالذاكرة مدى الحياة، أم هو دافع الفضول فقط ما يوقفنا هكذا ؟!.
















منذ أن أخبرونا أن عملية البحث عن والدنا ستأخذ قسطًا من الوقت، تحركنا نحن أيضًا لنتفقد ما تبقى من منزل العائلة وحجرة والدي، هذه قمصانه و"جلابيته" المفضلة مختلطة بالغبار وقطع الخشب الصغيرة، وتلك حقيبة اليد التي كان يضع بها كل غالِ عليه، وهذا ألبوم صور العائلة منذ كنا صغارًا وحتى هذه الأيام.

















تناثرت الأمتعة الخاصة بوالدنا المسن هنا وهناك.. مسبحته التي لم تفارق يده قط، وجدناها وقد فارقها إلى مصير خفنا أن يحن موعده وها هو جاء، عندما وجدتها قلت لهم حتمًا سنجد والدي بجوارها!.

كيف يمكن للإنسان أن يتحول في لحظة إلى مجموعة رموز ودلالات، عدد من القمصان، أحذية، شبابيك حجرة نومه، فالجسد علمه عند ربه، أو ساكن في سرير بأحد المستشفيات، ومتعلقاته كائنة بمكانها شاهدةً على ما يدور من أحداث، فتحمل تفاصيل تلك الأحداث في مظهرها، لتحكي لأصحابها يوم العودة.
الجريدة الرسمية