رئيس التحرير
عصام كامل

تذكرة المترو والإصلاح الاقتصادي


أعلنت الحكومة أمس رفع سعر تذكرة المترو بنسبة 100% بدءًا من اليوم الجمعة، وسبق ذلك تمهيد نيراني مكثف من أخبار وتصريحات حول خسائر المترو والسعر العادل للتذكرة الذي يبلغ عشرين جنيهًا وغير ذلك، لا أدعي أني ممن يطالبون بمجانية كل شيء أو بعدم مراعاة الجدوى الاقتصادية في كل شيء لكن ضميري لا يسمح لي أن أقبل أن اسمي ذلك إصلاحًا، أعلم تمامًا وأوافق على أن كل خدمة لها تكلفة وأنه يجب تغطية هذه التكلفة مع هامش ربح يخصص للتطوير والتوسع لكن المشكلة هنا لا تتعلق بتذكرة المترو وسعرها الجديد قدر تعلقها بنهج الحكومة الحالية.


الحكومة الحالية قررت أن تجعل المواطن الأكثر فقرًا يتحمل كامل فاتورة تخلص الحكومة من ديونها وأعبائها، فهمي للإصلاح الاقتصادي هو وضع خطة أو برنامج لإيقاف الخسائر وسداد الديون يتضمن بالأساس خطة لتخفيف آثار هذا، خاصة على الطبقات الأكثر فقرًا وهو الجزء الذي يأتي على قمة واجبات الحكومة ومسئولياتها من وجهة نظري الشخصية، ودونه تفقد الحكومة صلاحياتها وتصبح أحد عوامل تهديد الأمن القومي والسلام الاجتماعي.

إن قرار تحرير سعر الصرف أو ما يطلق عليه قرار تعويم الجنيه المصري كان قرارًا حتميًا لكن عدم وجود برنامج لتحرير سعر الصرف ومعالجة آثار انخفاض قيمة الجنيه وزيادة الأسعار بنفس نسبة خفض القيمة الشرائية، هو الذي تسبب في ما حدث من آثار كارثية.

فضلت الحكومة الطريق السهل، وهو فرض مزيد من الضرائب (ضريبة القيمة المضافة) والرسوم ( رسوم المرور على الطرق وتذكر الأتوبيس والمترو) وتخفيض الدعم على الطاقة ( زيادة سعر الكهرباء والبوتاجاز والغاز الطبيعي والبنزين والسولار) وكل ذلك كان متوقعًا لأي دارس لمبادئ الاقتصاد، لكن المفاجأة كانت في عدم وجود أي خطة لتخفيف تلك الآثار على المواطنين، خاصة الشرائح الأكثر فقرًا فبينما تقترب الأسعار في مصر بشدة من مستوى الأسعار العالمي في معظم السلع الأساسية تظل الرواتب التي يحصل عليها غالبية العاملين بعيدة تمامًا عن واحد على عشرة من مستوى الرواتب العالمي، وهو ما أدى إلى زيادة رهيبة في معاناة الطبقات الأكثر فقرًا والتي توسعت بشدة لتضم كافة العاملين بالقطاع الخدمي للدولة والمحليات باستثناء قليل من أصحاب الحظوة.

والسؤال هنا للحكومة أليس منكم من رجل رشيد يسأل ماذا يمكن أن يحدث في ظل الارتفاع الرهيب في أسعار السلع والخدمات مع ثبات الأجور والتي تعاني أصلًا من ضألتها حيث يحصل الكثير من العاملين بالدولة ونصف من يعملون بالقطاع الخاص على ما يعادل أقل من 3 دولار يوميًا؟ وإلى متى سنستطيع احتواء الغضب المكتوم داخل قطاع كبير من المواطنين جراء معاناتهم المتزايدة من ارتفاع أسعار السلع والخدمات؟

وحتى لا نكون مجرد معارضين أو نتهم بأننا نقول ذلك كراهية لأحد، فإننا نطرح الحلول الموضوعية والواقعية والتي لا بد لنا منها حتى نواجه التحديات التي ستتعاظم بمرور الوقت، إن لم نبدأ في مواجهتها في أسرع وقت، التحدي الأول هو فساد نظام الأجور للعاملين بالدولة، حيث إن مصر قد تكون الدولة الوحيدة في العالم التي قد يعمل فيها اثنان من العاملين بالدولة في جهتين ممولتين من المال العام بنفس الوظيفة ذات نفس التوصيف والواجبات والمسئولية.. لكن أحدهما يحصل على الحد الأدنى للأجور، والثاني يحصل على مئات الآلاف شهريًا وتأمين صحي شامل له ولأسرته ونوادِ ومصايف وخدمات كلها من المال العام.

هذا الفساد الذي أوصلنا إلى أن ما يقرب من 10% من عدد العاملين بالدولة مجموع رواتبهم يمثل ما يقرب من 80% من مجمل رواتب العاملين بالدولة، وإصلاح الفساد في جداول الأجور لا يكلف الخزانة العامة جنيهًا واحدًا فقط يحتاج إلى إرادة صادقة وحقيقية للإصلاح تعين على مواجهة لوبي أصحاب المصالح الذي تحجج أعضاؤه بقوانين فاسدة – وجب تغييرها - للتهرب من تطبيق الحد الأقصى للأجور.

ثم نأتي إلى فساد النظام الضريبي فمعظم الاقتصاد المصري مبني على تعاملات غير مسجلة لا يتم تحصيل ضرائب ولا رسوم عليها والنظام الضريبي الحالي يساوي بين مكاسب الشركات المملوكة لأفراد وتلك المملوكة لمساهمين بعكس معظم دول العالم المتقدم والحل البسيط هو منع استخدام النقدية في المعاملات المالية بعد حد معين وليكن خمسة أو عشرة آلاف جنيه، وأن يكون الدفع لأكثر من ذلك بالبطاقات أو الشيكات البنكية المسجلة وزيادة الضرائب على الشركات المملوكة لأفراد وعمل شرائح ضريبية تصاعدية بزيادة الدخل، كما هو موجود في معظم الدول المتقدمة.

إن أكبر خطر يواجه الاقتصاد المصري حاليًا هو الكساد مع ضعف القدرة الشرائية للسواد الأعظم من الشعب والبدء التدريجي في الاستغناء عن كل ما يمكن الاستغناء عنه لترشيد الإنفاق، وهذا سيكون له أكبر الأثر السلبي على الإنتاج، ومما يزيد من حجم المشكلة هو الارتفاع الكبير في الفائدة على الجنيه، والذي يؤدي إلى مزيد من الكساد فلا أحد يسعى إلى الاستثمار غير المضمون، بينما يمكن أن يحصل على هذه الفوائد الكبيرة من البنوك والتي قد تكون صعبة التحقيق في كثير من الاستثمارات، وكذلك فإن فوائد الأقراض بلغت حدًا يستحيل معه طلب تمويل المشروعات من البنوك، وهو ما يؤدي أيضًا إلى قلة الاستثمارات وزيادة كبيرة في التضخم.

إن سياسة منع الاستيراد هى مسكن مؤقت لا يمكن الاعتماد عليه وحده، إذا أردنا إصلاحًا حقيقيًا بينما يجب علينا البدء فورًا في إنتاج كل ما نستورده من احتياجات أساسية، وأن يكون ذلك على قمة أولويات الدولة لخلق فرص عمل دائمة ودفع عجلة الاقتصاد وضخ مزيد من السيولة في السوق لزيادة حركة البيع والشراء بدلًا من المشروعات الإنشائية المثيرة للجدل، خاصة في هذا التوقيت وفي هذه الظروف، إن غالبية الشعب لا تشتكي الفقر ويمكنها أن تصبر على معاناة الإصلاح الحقيقي بشرط وجود عدالة في توزيع تكلفة ذلك، بحيث تجعل دفع فاتورة الإصلاح تتناسب مع الدخل لا مع درجة الفقر!

الجريدة الرسمية