رئيس التحرير
عصام كامل

في معية يوسف (٢)


نزلت سورة يوسف على النبي (صلى الله عليه وسلم) في العام العاشر لبعثته، وكان ذلك في فترة حرجة وعصيبة من حياته، خاصة بعد أن فقد نصيريه؛ أم المؤمنين السيدة "خديجة" وعمه "أبا طالب"، في عام واحد سمى بعام الحزن.. وبوفاتهما اشتد الأذى والبلاء على النبي وعلى المؤمنين، فكانت السورة تخفيفًا للآلام، وتقوية للصبر، وراحة للنفس، وتبشيرًا بالفرج.. قال خالد بن معدان: "سورتا يوسف ومريم مما يتفكه بهما أهل الجنة في الجنة" وقال عطاء: "لا يسمع سورة يوسف محزون إلا استراح إليها" (حاشية الصاوي على الجلالين ٢/ ٢٣٣).


في قصة يوسف، أحب الأب يعقوب (عليه السلام) ابنه حبًا ملك عليه قلبه وفؤاده، وذلك لما وجد فيه من نجابة ونبوغ مبكر وأدب عال وخلق نبيل، فضلًا عما كان يتمتع به من جمال أخاذ... ففي رؤيا يوسف التي حكاها له "يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين" (يوسف: ٤)، أدرك الأب أن يوسف سوف يكون له شان عظيم في مستقبل الأيام.. ولأنه كان يعلم ما يضمره أخوته في قلوبهم نحوه، فقد حرص على أن يلفت انتباهه بألا يقص رؤياه عليهم، حيث يشكل ذلك خطرًا عليه، "قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا أن الشيطان للإنسان عدو مبين، وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث، ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليم حكيم" (يوسف: ٥-٦).

والحقيقة، أن هذا ما يحدث في دنيا الناس، على اختلاف الزمان والمكان، فالخبر السعيد أو النجاح الذي تحققه يفرح له كل أصدقائك الأوفياء الذين يحبونك ويتمنون لك الخير، أما أعداؤك وخصومك الذين يكرهونك ويحقدون عليك ويحسدونك على أي نجاح لك، فهؤلاء يصيبهم ضيق وغضب وتبرم، بل يسعون إلى تحويل فرحك إلى حزن، وسعادتك إلى هم، وهكذا.. خذ مثلًا تلك الأخوة الفريدة التي جمعت بين المهاجرين والأنصار، وبين الأوس والخزرج في المدينة، وكيف أن هذه الوحدة أغاظت بعضًا من اليهود، فجلس أحدهم يومًا مع رجال من الأوس والخزرج، كي يوقع بينهم، وتم استدراجهم بالفعل إلى الحديث عن يوم "بعاث"، الذي شهد في سالف الأيام مقتلة عظيمة بين الفريقين.. فقام القوم إلى السلاح. 

ووصل الخبر إلى النبي (صلى الله عليه وسلم)، فجاء إليهم مسرعًا كي يئد الفتنة في مهدها، وقال: "وأنا بين أظهركم"؟!.. وفي هذا نزل قوله تعالى: "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا" (آل عمران: ١٠٣).. إن أقرب الناس إلى الإنسان هم أفراد أسرته، ومن الطبيعي أن يجد منهم كل حب وعاطفة ومودة.. ويوم أن يتحول بعض هؤلاء إلى أعداء أو خصوم لا يحبون لك الخير، فهذه هى الكارثة بعينها.. إن التربص والتآمر أمر متوقع من الأعداء والخصوم، كما قال تعالى لنبيه: "وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين" (الأنفال: ٣٠)، لكن الأمر مستبعد من الأقرباء والأصدقاء، وإذا حدث، فهو تعبير عن حالة شاذة.. (وللحديث بقية إن شاء الله)

الجريدة الرسمية