رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الأم المثلى


تستحق السيدة زينب، رضوان الله عليها، وعلى أخويها، وعلى أمها وجدها، عن جدارة، لقب الأم المثلى للمسلمين أجمعين، فقد عاصرت من المآسي ما تشيب لهوله الولدان، دون أن تنحني، أو تبتئس.. بل صبرت واحتسبت، وكان صمودها أقوى من احتمال أشد الجبال صلابة.. وأي بشر يطيق رؤية الأب والأخ والابن والأقارب شهداء.. في مأساة تاريخية لا تتكرر؟!


هى ابنة الإمام علي بن أبي طالب، ووالدتها سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء، وأخواها الحسن والحسين، وجدها سيد ولد آدم، رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم.

جاءت عقيلة بني هاشم إلى مصر عام 61 هجرية، بعد استشهاد أخيها الإمام الحسين، دفاعًا عن السنة المطهرة، والشريعة الغراء، ورفضًا لأن تتحول الخلافة إلى ملك عضود، يعتليه قرين القرود، وأن تكون مقاليد أمور المسلمين بيد معاقر الخمور، وأسير اللذات.. في موقعة كربلاء، ومكثت بها عامًا واحدًا، ثم وافتها المنية وشرُفت مصر باحتضان رفاتها الطاهرة.

ولدت السيدة زينب سنة 6 من الهجرة، ويكبرها الحسن والحسين، وتصغرها أختها أم كلثوم، أسماها رسول الله باسم ابنته الكبرى زينب التي كانت قد توفيت قبل مولدها بقليل.

توفى الرسول صلي الله عليه وآله، وسلم وهى في الخامسة من عمرها، ثم لحقت به أمها فاطمة بعد وفاته بستة أشهر، عاصرت السيدة زينب حوادث كبيرة عصفت بالخلافة الراشدة باغتيال أبيها كرم الله وجهه عام 40 هجرية بطعنة الخارجي عبد الرحمن بن ملجم.

وبعد وفاة الحسن، مسمومًا، شهدت السيدة زينب كربلاء عام 61 هجرية، وعاينت استشهاد أخيها الإمام الحسين وابنها عون في المذبحة، ومعه ثلاث وسبعين من عترة آل البيت والصحابة وأبناء الصحابة، وسيقت زينب ومعها سكينة وفاطمة بنتا الإمام الحسين وبقية نساء آل البيت إلى حاكم الكوفة الأموي عبيد الله بن زياد، وقد وضعوا رأس الأمام الحسين في مقدمة الركب.

دخلت السيدة زينب الكوفة في ركب السبايا والأسيرات، وقد وقفت الجموع محتشدة تشهد هذا الركب الرهيب، فنظرت إليهم السيدة زينب وألقت عليم قولًا ثقيلًا:
"أما بعد يا أهل الكوفة، أتبكون؟ فلا سكنت العبرة ولا هدأت الرنة! إنما مثلكم مثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثًا، تتخذون أيمانكم دخلًا بينكم، ألا ساء ما تزرون.. أي والله فابكوا كثيرًا واضحكوا قليلًا، فقد ذهبتم بعارها وشنارها، فلن ترحضوها بغسل أبدًا، وكيف ترحضون قتل سبط خاتم النبوة ومعدن الرسالة، ومدار حجتكم ومنار محجتكم، وهو سيد شباب أهل الجنة؟ لقد أتيتم بها خرقاء شوهاء.. أتعجبون لو أمطرت دمًا؟ ألا ساء ما سولت لكم أنفسكم، أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون".

"أتدرون أي كبد فريتم، وأي دم سفكتم، وأي كريمة أبرزتم؟ "لقد جئتم شيئًا إدا.. تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدًا".

وصلت السيدة زينب بنت علي، بعد طردها من المدينة المنورة بأوامر يزيد، إلى مصر في شعبان عام 61ه، وأقامت في بيت الوالي حتى وافتها المنية بعد عام واحد من قدومها إلى مصر يوم 14 رجب 62ه، ودفنت في بيت الوالي، الذي تحول إلى ضريح لها.
عُرف عن السيدة زينب تحليها بالعلم والتقوى، والشجاعة والإقدام، والبلاغة وقوة البرهان؛ حتى لقد وقفت أمام جبار البصرة عبيد الله بن عباد تسفه كلامه وتتوعده بعذاب الله غير عابئة بالموت، الذي قد يأتيها في أي لحظة من قاتل أخيها وقاتل عترة بيت رسول الله صلي الله عليه وآله، وسلم، واحتضنت ابن أخيها علي زين العابدين، حين أراد عبيد الله أن يضرب عنقه وقالت: "والله لا أفارقه، إن قتلته فاقتلني"، فخلى عبيد الله سبيل الغلام وتركه يرحل مع النساء إلى دمشق.

كما وقفت أمام سفاح بني أمية يزيد، وهو يعبث بقضيب في يده برأس الإمام الحسين أمامه، فأسمعته كلامًا فيه من البلاغة وقوة الحجة والشجاعة ما شق عليه وسارع بإرسالها ومن معها إلى المدينة المنورة.

ومما قالته ليزيد بن معاوية وحفظته كتب المؤرخين وكتاب السير: "أيزيد والله ما فريت إلا في جلدك، ولا حرزت إلا في لحمك! وسترد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله برغمك، ولتجدن عترته ولحمته من حوله في حظيرة القدس، ويوم يجمع الله شملهم من الشعث: ”ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا، بل أحياء عند ربهم يرزقون".. وستعلم أنت ومن بوأك ومكنك من رقاب المؤمنين، إذا كان الحكم ربنا والخصم جدنا، وجوارحك شاهدة عليك: أينا شر مكانًا وأضعف جندًا".

”فلئن اتخذتنا في هذه الحياة مغنمًا، لتجدننا عليك مغرمًا، حين لا تجد إلا ما قدمت يداك، تستصرخ بابن مرجانة (عبيد الله بن زياد) ويستصرخ بك، وتتعاوى وأتباعك عند الميزان، وقد وجدت أفضل زاد تزودت به قتل ذرية محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم".
ورثت السيدة زينب من أمها فاطمة الرقة والحنان، ومن أبيها العلم والتقوى، وكان لها مجلس علمي تقصده جماعة من النساء اللواتي يردن التفقه في الدين.

وعندما أتت إلى مصر تجمع حولها العلماء من أهل مصر ممن أرادوا الاستزادة من علمها وورعها وتقواها.
يروي عنها ابن عباس، رضي الله عنهما، فيقول: "حدثتني عقيلتنا زينب بنت علي"، فغلب عليها هذا اللقب فهى عقيلة بني هاشم، كما سماها مريدوها: "أم الحنان".
Advertisements
الجريدة الرسمية