رئيس التحرير
عصام كامل

ناقشوا القرض بعد القرض؟!


ليست الحكومة وحدها الغريبة. مجلس النواب أيضا.. نوابنا عليهم تصرفات غريبة.. وسلوكيات أغرب. الخريطة مازالت "ملخبطة". واللخطبة زائدة.. ومستمرة في الزيادة.


قبل يومين تبين أن المشكلة ليست فقط في تركيبة النواب، ولا فقط في شكل أدائهم تحت القبة.. المشكلة في الفكر النيابى.. وفى محتوى المفهوم البرلمانى لأعضاء المجلس.. هذا ليس مجلسا تشريعيا.. ممكن تقول: أغلب النواب مطيباتية.. بعضهم "موظفون" تسديد خانات.. والذي منه.

لماذا هذا الكلام الآن؟

المناسبة أن نواب الشعب، ناقشوا أول أمس، قرض صندوق النقد الدولى.. ثم أقروه!

بتقولوا إيه ياولاد؟ عملوا إيه؟

بيقولك: ناقشوا اتفاقية قرض صندوق النقد، بعد شهور من تسلم دفعته الأولى.. يعنى فتحوا ملفه، قبل أيام من تسلم الدفعة الثانية. الصحف التي خرجت، بخبر مناقشة البرلمان لقرض الصندوق، في صفحاتها الأولى.. هي التي نشرت أيضا، جانب الخبر.. خبرا آخر عن موعد تسلمنا الدفعة الثانية من القرض خلال أيام!

لو كنت مسئولا.. لمنعت الخبرين في صفحة واحدة. لأنها نكتة. نكتة حكومة.. ونكتة نواب. عرضت الحكومة القرض على مجلس النواب، بعد الهنا بسنة. وافق مجلس النواب، على القرض، قبل ساعات من تسلم الدفعة الثانية.

طيب افرض كانوا رفضوه ؟ افرض كانوا أعادوه للحكومة، لتعديل بنود في الاتفاقية لا يرضاها النواب.. أو أعادوه بإصلاح صياغات رأها نوابنا "مش قوى". واضح إن الرفض لم يكن مطروحا. لذلك حظى القرار الحكومى بغطاء نيابى من أول دقيقة. دخلت اتفاقية القرض البرلمان، وخرجت.. كما دخلت.

خلل كبير. خلل حكومى.. وخلل نيابى.

ليس أول خلل حكومى.. لكنه أول خلل نيابى بهذه الفجاجة. أكثر من كده.. النواب الذين أقروا اتفاقية القرض، لا ناقشوا آثاره الاقتصادية.. ولا استفاضوا في الكلام في حقيقة نية الحكومة تحقيق مزيد من مطالب صندوق النقد.

خرجت الاتفاقية كما دخلت. لم يظهر للنواب كرامة، مع أن الكلام أن نية الحكومة "مش قوى". هناك كلام عن مزيد من "تحرير أسعار السلع والخدمات". الكلام دائر عن ارتفاع جديد في أسعار الطاقة.. الفترة المقبلة.

نحن الذين سمعنا.. النواب لم يسمعوا شيئا. لأنهم لم يقولوا شيئا. لم يسألوا عن المفروض يسألوه.. ولا ناقشوا المفروض يناقشوه.

في قصة للأديب الروسى تشيخوف، أن عجوزا عامل زوجته طوال حياته بالضرب والشتيمة وقلة القيمة. بعد سنوات مرضت الزوجة.. أخذها على "كارتة" وطار على المستشفى. من قريتهما كيلومترات طوال.. الزوجة تأن.. والحصان يرمح بالكارتة.. صعبت الزوجة على العجوز.. بدأ يصبرها بمعسول الكلام وأحلام وردية.. قال إنها سوف تبرأ.. وإن معاملته سوف تتغير. اعترف أنه ظلمها كثيرا.. وضربها أكثر.. لما تعود.. سيحسن المعاملة.. ويغير الماضى.

لما وصل المستشفى، كانت ماتت العجوز. لم تحتمل. الطريق طويل.. كان يجب أن تموت.

قصة عظيمة الدلالة. عجوز قاس، كما حكومتنا القاسية. نواب الشعب أيضا قساة. قل عصاة. يتنكرون في زى "محامي الفقراء ".. بينما هم ليسوا محامين.. ولا فقراء. لخبطة المنظومة هي التي جعلت الحكومة  تعرض القرض على مجلس النواب الآن. اللخطبة هي التي دفعت النواب للموافقة على اتفاقية.. دستوريا كان يجب أن تعرض عليهم أولا.. قبل شهور.
الاتفاقية تمت.. و"الكارّتة" تجرى. الخوف ألا تصل العجوز.. أو تصل متأخرة!
wtoughan@hotmail.com
twitter: @wtoughan


الجريدة الرسمية