رئيس التحرير
عصام كامل

عندما أضفنا لـ«ميسى» تاريخا إلى تاريخه


رغم البعاد عن وطنه الأصلي، ورغم الشهرة والثروة والنجومية غير أن إنسانيته لم تبتعد عن وطنه الأم في الأرجنتين، التي فضل أن يلعب تحت رايتها ليضرب مثلا يحتذى في الوطنية والإنسانية.. عن «ليو ميسي» أحدثكم بعد أن طالته نيران مواقع التواصل الاجتماعى في مصر، لمشاركته في حملة مصرية لدعم السياحة العلاجية، منطلقا من حال كوننا أصبحنا -رغم ظروفنا الصعبة- نحتل الرقم واحد في علاج «فيروس سي» على مستوى العالم.


كنت واحدًا ضمن المدعوين إلى حفل نجم الإنسانية ليو ميسى على مقربة من تاريخ تليد، يشهد عليه موقع لا يضاهيه موقع في العالم، وهو الأهرامات الخالدة، ومن داخل إحدى قاعات الفندق التاريخى الأهم في مصر مينا هاوس.

ورغم الأهمية التاريخية لزيارة المارد الكروى ليو ميسى إلى مصر، إلا أن مينا هاوس قد أضاف لميسى تاريخا لم يضف إلى غيره من نجوم العالم، فقد أقام لساعات بين ردهات بناء تاريخى احتضن عمالقة العالم في السياسة والعسكرية والأدب والفن.. فقد أضيف اسمه إلى أسماء لها من الأهمية التاريخية ما لم يحظ بها غيره، رغم إنسانيته الطاغية وتاريخه الاجتماعى المهم، الذي بلغ مداه بعد انخراطه في العمل الخيري.

ومينا هاوس الذي ابتناه الخديو إسماعيل عام ١٨٦٩ م على ٤٠ فدانا ليكون استراحة له، تحول إلى واحد من قوى مصر الناعمة، لما بلغه من شهرة دفعت رجالات السياسة والحكم والفن والأدب للسعى لنيل الإقامة فيه، إذ يكفى أن يطلق على البناء الشامخ اسم موحد القطرين الملك مينا المصرى العظيم، وهو البناء الذي أقام فيه القائد العسكري والسياسي المحنك الإنجليزى ونستون تشرشل.

واحتضن فندق مينا هاوس قادة القوات النيوزيلاندية والأسترالية في الحرب العالمية الأولى، ثم تحول إلى مستشفى في نهايات الحرب، وخلال الحرب العالمية الثانية احتضن مؤتمر القاهرة الذي ضم الرئيس الأمريكى روزفلت، والزعيم الصينى شيانغ كاى شيك، وفى ديسمبر من عام ١٩٧٧م احتضن مؤتمرا للسادات والرئيس الأمريكى جيمى كارتر ورئيس الوزراء الإسرائيلى مناحم بيجن.

ونال شرف الإقامة بفندق مينا هاوس عدد كبير من قادة العالم ومشاهيره، من أمثال الإمبراطورة الفرنسية أوجيني، وملك السويد جوستاف، وملك إيطاليا إمبرتو، وملك إثيوبيا هيلاسياسي، ووزير خارجية أمريكا هنرى كيسنجر، وعدد أكبر من أن يحصى من قادة كان لهم بصماتهم في تاريخ العالم، أضيف إليهم أخيرا إمبراطور المستديرة الساحرة ليو ميسى.

وبعيدا عن طنطنة وسائل التواصل الاجتماعى التي صاحبت زيارة ميسى للقاهرة، فإن ما حققته الزيارة من مكاسب لم تحققه حملات الدعاية التي قامت بها الدولة بكل أجهزتها شئنا أم أبينا، إذ يكفى أن تدور عجلة الميديا العالمية متناولة الزيارة من التعاطى الكبير لحصول مصر على مركز متقدم في قضية بحث علمى، استطعنا من خلاله أن نحقق رقما صعبا وسط ظروف غاية في الصعوبة.

والدكتور شيرين عباس حلمى العضو المنتدب لشركة فاركو، والذي أقدم على هذه الحملة العالمية، واحد من المصريين الذين يؤمنون بأننا قادرون على الفعل الحضارى وعلى الإسهام الإنسانى، وعلى تبوؤ مكانتنا بكثير من العمل والإخلاص والإصرار، وهو أيضا أول المنفعلين بحملة الرئيس السيسي لتصبح مصر خالية من فيروس سى القاتل خلال سنوات قليلة، وهو ما حققنا منه أرقاما مبشرة بإعلان محافظة كفر الشيخ خالية من فيروس سي، بدواء مصرى خالص، وبجهود مصريين مخلصين استطاعوا أن يرسموا لوحة إنسانية مهمة في تاريخنا الحديث.

منذ عدة أشهر، كنت قد التقيت الدكتور شيرين بأحد فنادق القاهرة عندما حدثنى عن المارد المصرى القادم.. كان واثقا وهو يطرح رؤيته وإيمانه بما طرحه الرئيس السيسي، وبقدرة المصريين بالتعاون مع بعض مراكز الأبحاث العالمية في الوصول إلى دواء مصرى بخامات مصرية وعقول مصرية، وجهود دؤوبة لنحقق معجزة لم يحققها غيرنا ممن يمتلكون المال، لنثبت للعالم أجمع أن الإرادة الإنسانية أقوى من الجاه والمال والسلاح.

بين عواصم عربية وأخرى أوروبية، كان الرجل لا يكل ولا يمل في سبيل تحقيق حلم الشعب المصري، بمواجهة حاسمة مع المرض اللعين الذي حصد أرواحا ولا يزال يحصدها حتى يومنا هذا.. وأخيرا أضحى الحلم حقيقة واقعة، وأصبح ما كان خططا على أوراق بلسما يشفى المرضى، ويخلق حالة من الأمل وسط غابات الإحباط واليأس والضعف والوهن.

ما وصلنا إليه ليس دواء لمرض عضال، وإنما أبعد من ذلك بكثير لنصبح على الطريق الصحيح بقليل من الصبر، وكثير من العمل وإيمان بقدراتنا على أن نعيد لمصر بهاءها ومجدها وعزتها وريادتها، في واحد من المجالات التي حيكت حوله أسوار من الوهم والتعالى.. أصبحنا فاعلا لا مفعولا به، وأضحينا أصحاب ريادة في مواجهة الموت الزاحف على بيوتنا وبيوت غيرنا، ولم نقف عند هذا الحد، بل أصر القائمون على الأمر أن نكون مشفى العالم كله، إسهاما منا في حضارة البناء والحياة.

وأمام هذا الحدث الفريد لا نملك إلا أن نردد قول المولى عز وجل في سورة المائدة “مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِى إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِى الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32).. صدق الله العظيم.

الجريدة الرسمية