رئيس التحرير
عصام كامل

نصائح عاطفية


التقيت بصديقي في المقهى، وأخبرني بأنه يرغب في الزواج، ولكنه خائف من التقدم للعروسة لأنه لا يملك شقة، ومع الارتفاع الكبير في الأسعار، فإنه لا يضمن حاليًا إلا شراء "شقة" فول للفطار..


نصحته بأن يتشجع ويتقدم لها، وأخبرته أن "لينكولن" كان يعمل كأجير في أحد المزارع، ورفضت أسرة الفتاة التي يحبها تزويجها منه لاعتقادهم بأنه رجل بلا مستقبل، ولكنه أصبح بعدها بسنوات رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية وضاعت على الفتاة فرصة أن تصبح السيدة الأولى.. وهي مرافقة شبيهة لما حدث لأجير زراعى آخر، وهو "روكفلر" الذي فشل في الزواج من حبيبته لظروفه المادية الصعبة، وأصبح بعدها من أكبر أثرياء العالم.

بعد أن انتهيت من نصيحتي تشجع صديقي بالفعل، وتقدم للعمل في وظيفة أجير زراعي، وفي فترة راحته بالمزرعة شاهد أحد الإعلاميين في التليفزيون يصف الملك بسماتيك الأول -صاحب التمثال المكتشف حديثًا- بأنه (إله الرز "البسمتي"عند المصريين القدماء) وهو ما يجعلنا نعتقد أن صاحب التعليق هو إله ثقل الظل عند المصريين المعاصرين، وهو لقب مستحق نتيجة عدم فهم قيمة الملك الذي وَحد مصر القديمة، وحررها من الاحتلال الآشوري في مثال يُعطينا الأمل حول قدرتنا الدائمة على تحقيق النهضة والنجاح، رغم معايشتنا لسنوات طويلة من التدهور والانحلال.. وإذا كان هذا الملك قد انتمى إلى فراعنة مدينة "سايس"، فإن هناك أكثر من "سايس" ترك عمله في الوقوف خلف السيارة واتجه للوقوف خلف الكاميرا!

عاد صديقي من المزرعة والتقيت به في المقهى مجددًا، ليخبرني بأن نصائحي العاطفية غير مجدية، فقد تزوجت حبيبته من آخر، بينما لم يحقق لنفسه النجاح المأمول، لذا نصحته أن ينسى ما ذكرته مسبقًا عن "لينكولن" و"روكفلر"، ويكتفي بقصة رجل أمريكي ثالث وهو الرئيس "أيزنهاور" وقد كان أصلع، وقال يومًا لوزير ماليته -وكان أصلع أيضًا- (إننى لا أعرف لماذا تقلدني دائمًا في الطريقة التي أصفف بها شعري).. لذا أخبرته بألا يقلدني أو يستمع إلى نصائحي العاطفية مجددًا خاصة أنني أعزب ولم أستطع توجيه النصح لنفسي.

فجأة جلس بجوارنا في المقهى شخص عابس الوجه.. كاره للحياة، فنسينا الحديث العاطفي، بعد أن فهمنا إنه داعشي التفكير، وقد أوضح لنا إنه لن يجلس معنا طويلًا، لأن لديه تفجيرات يرغب في القيام بها.. ولكنه مشكورًا أراد أن يوفر علينا وقت كتابة البيانات التي تستنكر وتدين أعماله، فجلس على المقهى ليكتبها بنفسه حتى يقوم بعدها بتوزيعها على بعض المؤسسات التي اعتادت مواجهة الإرهاب بتصدير البيانات لإبراء ذمتها دون عمل حقيقي لمواجهة الفكر المتطرف الذي يصنع مجرمين يحاربهم أبطال الجيش في سيناء..

وإذا افتقد بطل فيلم (حرب الفراولة) للسعادة وبحث عنها، فإن (حرب البيانات) بطل مفعولها في مواجهة الفكر الإرهابي، ويجب البحث عن وسائل حقيقية للمواجهة.

غادر الإرهابي المقهي بينما حاولت أن أهدأ من صديقي الذي أغضبه الارتفاع الجديد للدولار، لدرجة أنه فكر في التخلص من حياته عبر الذهاب إلى شبرا الخيمة، والحصول على العدوى الغامضة، ولكنه سرعان ما هدأ ثم أخرج من جيبه خريطة لمصر، وهمس لي (أتمنى أن تطلق الدولة اسم البابا شنودة الثالث على أحد الشوارع الرئيسية في مدينة العريش بمناسبة ذكراه الخامسة.. تأكيدًا على قبول الآخر، ودعمًا للمواطنة، وبهدف الإعلان عن عدم الانصياع أو الخوف من جرائم الإرهاب) فضحكت على تعليقه وضحك رواد المقهى وعاد الإرهابي إلينا خصيصًا ليضحك ويخبرنا بأنه قد انتهى من كتابة بيان الإدانة.
الجريدة الرسمية