رئيس التحرير
عصام كامل

الأزهر: داعش خوارج العصر وحديث «الرايات السود» تزييف للحقائق

مرصد الأزهر الشريف
مرصد الأزهر الشريف

تابع مرصد الأزهر الشريف الإصدار المرئى لداعش الإرهابية والذي اختارت له اسم "حديث الرايات السود.. وهل الدولة الإسلامية على حق" ليزيفوا الحقائق كعادتهم، وليَظْهَروا بمظهر الضحية التي تبذل جهدها من أجل إعلاء كلمة الحق ورفع راية الإسلام، ورغم ذلك تُتهم بالباطل ولا تَلقى سوى الجحود.


وقال المرصد إنه إصدار مرئى يحاول فيه الدواعش قلب الطاولة، وتزييف الحقائق، وتجميل صورتهم الوحشية، وتبرئة ذمتهم مما اقترفته أيديهم الملطخة بدماء الأبرياء من المدنيين العزل والأطفال والنساء/ إصدار مرئي جديد استخدمت له داعش لغةً جديدة لم نعتد عليها من قبل، لغة "الإستكانة" إن صح التعبير، والضعف والعتاب والعتب، علّهم ينجحون في استقطاب المزيد من الأتباع، لغة تخاطب عاطفة السذج والبسطاء علهم ينجحون من خلالها في تعويض الخسائر المتتالية والهزائم المتلاحقة التي ألمت بهم مؤخرًا وبات القضاء عليهم وشيكا.

يبدأ الدواعش الفيديو بمشهد لمكتبة علمية بها العديد من الكتب، في إشارة منهم لأنهم أهل العلم والفقه وكأن وجود هذه الكتب دليل على أن لديهم علماء ناسين أو متناسين أن هذا العلم لا يؤخذ من بطون الكتب فحسب بل يؤخذ عن شيوخه وهم لا شيوخ لهم ولكنهم قد توثبوا على العلم توثبا ينقلون بلا فَهْمٍ، ويطبقون بلا فقه ولا وعى ليشوهوا تعاليم هذا الدين السمح الحنيف الذي انتشر في شتى بقاع الأرض بأخلاق أتباعة وأمانتهم وزهدهم في متاع الدنيا، لا بتكفير عوام المسلمين واستباحة دمائهم وأعراضهم وأموالهم.

ثم يُظْهِرُ الإصدارُ المرئى صورًا حية لمقاتليهم في تأكيد منهم على أنهم أهل الجهاد الذين يعملون على رفع راية الإسلام في شتى بقاع الأرض وتتحدث داعش عن إقامة شعائر الدين وهدم القبور المرتفعة وكأن الدين لا يقوم إلا بهدم القبور وبتسويتها بالأرض وأن هذه هي القضايا الرئيسية التي جاء الدين لأجلها.

وفى إشارة واضحة منهم لاتهام عامة المسلمين في جميع الدول بأنهم لا يقيمون شعائر الدين من صلاة وصوم وحج وغيرها، وذلك كخطوة تمهيدية لتكفيرهم واستباحة دمائهم كما فعلوا ويفعلون، فأى دولة تلك التي تقوم على أشلاء المؤمنين في مجتمعات يعتبر الدين مكونا أساسيا من مكونات هويتهم ومعلما رئيسيا من معالم حضارتهم.

إذا توقفنا عند بعض ما ورد في هذا الإصدار المرئى سنجد أن وصف أتباع داعش بـ"سفهاء حدثاء الأسنان"، والذي ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم وتستنكر عناصر هذا التنظيم الإرهابى وصفهم به هو أدق ما ينطبق عليهم، وذلك أن داعش تؤكد أنها اتخذت من ابن تيمية وابن القيم وغيرهم أئمة لها! وهذا يعكس بالفعل ذلك المنهج الانتقائي الذي يعتمد على فقهاء ومرجعيات شرعية بعينها وفتاوى كتبها هؤلاء العلماء في فترات تاريخية محددة وفى ظروف معينة لا تعدوا أن تكون اجتهادات فردية لعلماء يقابلها اجتهادات أخرى لجمهور العلماء وفقهاء الأمة الأربعة وأصحاب المدارس الفقهية المعتبرة والذين يمثلون المرجعية الأساسية لمعظم مسلمي العالم. على أن علماء العصر مرجعهم الرئيس هو كتاب الله وسنة النبى محمد صلى الله عليه وسلم وما أجمعت عليه الأمة من خلال أقوال علماءها الثقات وليس فقط أقوال يتم انتقاءها من هنا أو هناك دون نظرة شمولية تؤكد على القراءة الواعية لهذا التراث الإسلامى.

وإننا نتساءل هل أقرت تعاليم الإسلام ذبح المخالفين ونحرهم كما يفعل الدواعش؟ لعل مشهد ذبح المصريين الأقباط الذين اختطفوا من بيوتهم في ليبيا وذبحهم لم يغب عن الأعين والأذهان، وإن قالوا: نعم فإننا نقول لهم لقد كذبتم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وخالفتم تعاليم القرآن الكريم التي أوصتنا ألا نجادل أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن، بل وأمرتنا أن نبرهم وأن نقسط إليهم. وإن قالوا: لا، فإننا نسألهم فأى أجندة تنفذون ولصالح من تعملون؟.

ومما يؤكد على عمالة داعش وخيانتهم لأوطانهم ولدينهم هو أن الحرب التي أشعلوها ما ذاق ويلاتها سوى شعوب العالم الإسلامى الفقيرة في سوريا والعراق وغيرها من الدول المسلمة التي أشعلت فيها داعش نيران الحروب ويمولها من يمولها ويقف وراءها من يقف وراءها!!! ثم تتحدث داعش الإرهابية عن دولتهم المزعومة فيقولون: "الدولة التي بينا أنها مستقرة اقتصاديا وعسكريًا واجتماعيًا ولديها السلطات القضائية والتنفيذية التامة ولديها إعلام قوي محارب من جميع القنوات الإعلامية في العالم، لذا فصورتها مشوهة إلا من خلال إعلامها الحر. هل هذه سفاهة؟ الدولة التي لديها ديوان للتعليم وديوان للحسبة وديوان للزكاة وديوان للصحة وديوان القضاء وديوان الخدمات البلدية ولديها الشرطة والمرور والأجهزة الأمنية.الدولة التي بها بيت للمال له مصادره من بترول وتعدين وزراعة وصناعة وتبادل تجاري وثروة سمكية وجباية زكاة وفيئ غنائم وله مصارفه الشرعية. هل هؤلاء سفهاء؟".

والسؤال الذي ينبغي أن نسأله لهؤلاء الخوارج "من أين لكم هذا؟ وما هو مصدر تمويلكم منذ نشأتكم؟ وكيف تحصلون على أموال البترول؟ وبأي طريقة سيطرتم على آباره؟ ومع من يتم تبادلكم التجاري هذا؟ وما هي مصادر تمويلكم؟ هل تهريب الآثار والاتجار بها وتهريب البترول والاتجار بالبشر والمخدرات من شرع الله؟ ومن يمدكم بالسلاح والعتاد؟ وفى أي دول يتم تصنيع هذا السلاح وأنتم تقيمون في أوطان لا يجد أهلها قوت يومهم بعد أن دمرتم بيوتهم وأوطانهم، بل ودمرتم البنى التحتية لهذه الدول.

ثم عن أي تعليم تتحدثون وقد شاهدنا جميع مناهجكم الضالة بعد انسحابكم والتي تُعَلِّمُون فيها الأطفال العنف والدموية ؟ أي تعليم هذا الذي تستأصلون فيه النصوص، وتخرجونها عن سياقها لتنفيذ منهجكم الضال الذي لا يمت للإسلام بصلة؟ كم من بريء قتلتم وكم من عليل نحرتم حتى تحصلون الزكاة والجباية؟.

وتدعي داعش الإرهابية من خلال هذا الإصدار أن دولتهم الوهمية هي " التي صانت المرأة فمنعت الاختلاط المحرم وألزمت النساء بالحجاب الشرعي وأنشأت الورش ووزعت المنشورات للحث على العفة والالتزام بالحجاب مع إهدائها الحجاب للمسلمات على نفقتها. هل هؤلاء سفهاء الأحلام؟".

ويؤكد المرصد على أن الحجاب للمرأة المسلمة هو مظهر من مظاهر عفتها وقد كانت المرأة وما زالت تعرف به داخل العالم الإسلامى وخارجه وأن هذا التنظيم الإرهابى هو أول من تاجر بالمرأة واستغلها في عملياته الإرهابية، وباعها في سوق السبايا؟ فكيف يدَّعون أنهم قد حافظوا عليها، ولعل شهادات الفارين من داعش تؤكد مدى انتهاك داعش للحرمات وارتكابهم جميع الفواحش باسم الدين زورًا وبهتانًا!!.
ومن المضحك أن تدعي هذه الجماعة الإرهابية أنها تحارب دويلة الكيان الصهيوني، وذلك في تزوير واضح للواقع واستخفاف بالعقول التي ترى مكانهم وتشاهد ليل نهار ما فعلت داعش بدول العالم الإسلامى من قتل وتفجير وسلب ونهب وترويع واغتصاب وسبى للنساء؟!.

ويوضح مرصد الأزهر أن داعش قد أدانت نفسها وأكدت للجميع بطلان نهجها وفساد رأيها وعمالتها، وأظهرت للجميع عن وجهها الأسود القبيح وحقيقتها المشوهة من خلال خطابهم العنيف الذي يحض على الكراهية والوحشية والدموية، ويحث على القتل والعنف والتفاخر بذبح الأبرياء ونحرهم وحرق أجسادهم وتشويه تعاليم الدين والإساءة إليه.

ولعل أهل العلم الحقيقيون الذين يتحملون أمانة تعليمه ونشره يعلمون بالضرورة وبدون إشارة إلى أن حديث "الرايات السود" حديث ضعيف به ثلاث علل. وإن العلم الذي يرفعه أصحابه بحق، يحرم قتل الأبرياء، وتدمير الشعوب والديار والأوطان.
الجريدة الرسمية