رئيس التحرير
عصام كامل

هجرة فريق زراعة الكبد!!


الأسبوع الماضي احتفلت جامعة المنصورة بإجراء 500 عملية زراعة كبد بين الأحياء وهو إنجاز عالمي فريد في مركز جراحة الجهاز الهضمي والكبد بالمنصورة، تحقق في منتهى الصمت، وبعيدًا عن الضجيج والصخب الإعلامي، على يد فريق مصري في مستشفى حكومي، بأقل التكاليف للمرضى الفقراء، بعضهم تحملت جامعة المنصورة نفقات علاجه لعدم قدرتهم على السداد..


وسط هذه الفرحة بالإنجاز الكبير يعلن د. محمد الشوبري، أستاذ زراعة الكبد، عن هجرة ثلاثة من شباب الفريق البارزين للخليج بعد تدريبهم وتعليمهم، هذا الكلام أصابني بالحزن الشديد، والذي ازداد بعد علمي بالمقابل المادي الهزيل الذي يتقاضاه أعضاء الفريق نظير القيام بزراعة 8 حالات على الأقل شهريًا، وإنقاذ حياة المواطنين من الموت بإجراء عملية هي الأكبر في مجال الطب، حيث تستغرق العملية 18 ساعة في غرفة العمليات مع متابعة بعدها للمريض مدى الحياة..

المقابل المادي لعضو الفريق أقل مما يجمعه متسول أمام مسجد السيدة أو بلطجي نظير السماح لأصحاب السيارات بالانتظار في شوارع وسط البلد، لا يمكن توجيه اللوم للشباب الموهوب الذي يضطر للهجرة لتوفير حياة كريمة لأسرته في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة والظروف الاقتصادية الصعبة للبلاد، ولا يمكن أن تطلب منه الدخول إلى غرفة العمليات لإنقاذ حياة مريض، وهو يحمل هموم المعيشة ونفقات مأكله ومسكنه وتعليم أولاده..

الجراح الشاب الذي يشارك في عمليات زراعة الكبد أو الكلى حينما يرى ويسمع عن الملايين التي يتقاضاها الفنانون والمطربون والإعلاميون واللاعبون والراقصات والراقصون في مصر لابد أن يصاب بالإحباط ولا يستطيع مقاومة إغراء أموال الخليج؛ لأن زمن الأنبياء انتهى والوطنية وحدها لن تساعده على أعباء المعيشة.

هذه قضية يجب أن تأخذها أجهزة الدولة بمنتهى الجدية؛ لأن استمرار نزيف العقول والنوابغ يساوي مستقبلا مظلما، فبدلا من جذب علمائنا من الخارج للمساهمة في النهوض بالبلد من كبوتها نقوم بالتفريط في أبنائنا المتميزين بسبب مبالغ مالية تافهة مقارنة بما ينفق في غير محله أي عقل أو منطق يوافق على ذلك..

لابد من تحسين أجور أعضاء فريق زراعة الكبد بالمنصورة لأنهم يغلقون عياداتهم من أجل الزرع، وزملاؤهم في القطاع الخاص يتقاضون مئات الآلاف..

رئيس جامعة المنصورة يؤكد أنها فعلا مأساة وأن اللوائح والقوانين تحكم الرواتب والأجور، وللأسف هي لوائح قديمة عفى عليها الزمن وأنه يجب تغييرها لتواكب ظروف المعيشة وإلا البديل هو توقف برامج زراعة الكبد والكلى، وبالتالي تعرض حياة المواطنين للخطر، واللهم احفظ مصر.
الجريدة الرسمية