رئيس التحرير
عصام كامل

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. شرف.. ولكن لمن؟!


القراء الأعزاء عذرا لعدم استكمال حديثنا عن "الإنسان في القرآن" نظرا لأهمية الموضوع الذي سوف أحدثكم فيه في هذا المقال وسوف نستكمل سلسلة مقالات الإنسان في القرآن في المقالات التالية بمشيئة الله تعالى..


رسالة إلى القائمين على أمر البلاد والعباد:
الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر رسالة عظيمة وشرف كبير فهي رسالة الأنبياء وورثتهم السادة العلماء، ولكن من هم العلماء المؤهلين لحمل شرف هذه الرسالة وأداء أمانتها، سؤال مهم جدا وخاصة بعد ظهور الكثيرين من غير المؤهلين لنيل هذا الشرف العظيم الفاقدين للحكمة والفهم الصحيح لمنهج الإسلام الذي يعلوه الرحمة والسماحة والاعتدال والمكارم والفضائل والقيم الإنسانية النبيلة والتيسير في الدعوة واللين في خطاب الناس ونصحهم.

وقد قيل في الحكمة، فاقد الشيء لا يعطيه، حقيقة، ودعوني أحدثكم عما لمسته ورأيته في رحلة العمرة التي أكرمني الله بها سبحانه وتعالى في هذه الأيام وإن كان ما سوف أتحدث عنه ليس بجديد، بداية لا شك أن حج بيت الله عز وجل وأداء مناسك العمرة وزيارة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وأهل البقيع وسيد الشهداء سيدنا حمزة ابن عبد المطلب وشهداء أحد رضي الله عنهم والصلاة في مسجد ذي القبلتين والأماكن الطاهرة المقدسة يدخل على النفس السرور والبهجة والسعادة والإحساس بالرضا.. والحمد لله شعرت بكل هذه الأحاسيس والمشاعر الجميلة.

ولكن كم آلمني وأتعبني نفسيا ما وجدته من سوء معاملة جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر القائمة على إرشاد وتوجيه حجاج بيت الله وضيوفه وزوار الحبيب صلى الله عليه وسلم وضيوف حضرته، فقد روعني مشهد رأيته أمام القبة الخضراء الشريفة التي يرقد الحبيب صلى الله عليه وسلم تحتها، رأيت رجلا مسنا كسيحا يجلس على كرسيه الطبي أمام القبة الشريفة رافعا كفيه إلى السماء وهو يبكي والله أعلم ببكائه إن كان شوقا وحنينا للرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، أو أن له حاجة عند الله تعالى يدعوه بها ويستشفع بحبيبه صلى الله عليه وسلم، فإذ برجل من رجال الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يأتي مسرعا وينهر ذلك الرجل المسن الكسيح بشدة ويقول له بغلظة ولهجة شديدة ارحل من هنا أيها القبوري المشرك، ودفع كرسي الرجل بشدة وكاد أن يسقطه أرضا ونهر من كان معه. 

أفزعني المشهد ودنوت منه وقلت له يا أخي لماذا نهرت الرجل واتهمته بأنه قبوري ومشرك وهو مسلم وبالرغم من حالته الصحية السيئة التي تراها جاء مقبلا على الله تعالى حاجا لبيته وزائرا لحبيبه عليه الصلاة والسلام متحملا كل الآم الجهد والمشقة فكيف لك أن تكفره وتسيئ معاملته؟

وإن ما فعلته ليس من خلق الإسلام وخاصة أنك من أهل الدعوة وجماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد غاب عنك قوله صلى الله عليه وسلم، ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا، فتمتم بكلمات لم أفهمها ولم يهتم بكلامي وتركني وتوجه إلى الزوار الواقفين عند القبة الخضراء وطردهم جميعا، وهو يقول لهم، هذا شرك، وكفر، وضلال.

سبحان الله، حب النبي صلى الله عليه وسلم وهو شرط أساسي للإيمان في نظر أصحاب الفكر الوهابي شرك، وزيارة مقامات الأولياء والصالحين كفر وعبادة قبور، هنا لي وقفة وسؤال، وهو: من له الحق في دعوة الناس إلى الله تعالى وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر وتوجيههم وإرشادهم، وتصحيح المفاهيم لديهم؟

هذا هو السؤال، الإجابة باختصار وببساطة شديدة، المؤهل لذلك هو العالم صاحب الفهم الصحيح لمنهج الإسلام ورسالته القيمة العظيمة باعتداله ووسطيته ورحمته وسماحته ومكارم الأخلاق التي يدور حولها، وهو الذي يملك أدوات الدعوة وهي الحكمة والموعظة الحسنة والجدال مع المسلمين وغيرهم بالتي هي أحسن كما أمر الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام بقوله تعالى: "وادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن".

ومن الصفات المحببة أيضا، ألا يكن فظا غليظ القلب، وأن يوجه الناس بلين ورفق كما كان يفعل نبي الرحمة ورسول الإنسانية عليه الصلاة والسلام.

ولكن للأسف وجدت معظم القائمين على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمملكة السعودية متشددين ومغالين وأعتقد أنهم يحملون أفكار سفلة العصر ومجرميه الدواعش الذين كفروا المؤمنين بجهلهم وروعوا الآمنين واستباحوا دماء الأبرياء، وعاثوا فيها فسادا..

يا سادة، يا من أقامكم الله تعالى على أمر العباد والبلاد يجب عليكم الانتباه لهذه الظاهرة القديمة الخطيرة ومواجهتها بل والقضاء عليها فكفانا ما نعانيه من أصحاب الأفكار التكفيرية المتشددة والمغلوطة، هذه هي رسالتي لكم وإلى كل من يهمه الأمر، فهل من مستجيب؟!
الجريدة الرسمية