رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

تهجير الأقباط بين البابا والدولة


أثارت قضية تهجير الأقباط من سيناء الوطن بكافة أرجائه وطالبوا أن يخرج البابا ليشجب ويندد ويزايد على الدولة ويسير على هوى أقباط المهجر، ومن يتخذون من مواثيق حقوق الإنسان ذريعة لقصف الدولة المصرية التي استطاعت بصعوبة الخروج من براثن الحكم الديني للإخوان المسلمين، كما كان مخطط لها منذ عقود الانصياع في نموذج الدولة المتطرفة لتوفر الحجة لجميع أعداء مصر لمحاربتها بل وإبادتها.


يعتصرني الألم ليس لذات فعل التهجير، ولكن لأن الإرهاب يستنزف الدولة لسنوات ليس فقط استنزاف الأجهزة الأمنية وإنما الاقتصاد أيضًا فالتهجير من عدمه لا يغير من واقع هو أن سيناء أرض غير آمنة وعمومًا فلم يكن التهجير قرار الدولة، وإنما هروب الأقباط من تهديدات داعش.. يعتصرني الألم لاختفاء مشروع التنوير والتنمية الثقافية وقبول الآخر الذي بزغ عقب ثورة ٣٠ يونيو، وكنت أحلم أن يتبناه البرلمان والمجتمع المدني والأحزاب والإعلام ووزارة الثقافة، ولكن مات المشروع الوليد أمام المصالح والصراعات على الكراسي والبيروقراطية، وتم ترك الأجهزة الأمنية وحيدة لتواجه ملف التطرف والإرهاب لإرهاقها واستنزافها بدون أن يمارس الشعب دوره في الحفاظ على بقاء الوطن أمام الفكر المتطرف، ولنخرج جميعًا بالمزايدات خارج موضوع المواجهة الأساسية ألا وهى التنوير والتنمية بدءًا من الثقافة إلى الاقتصاد.

أما البابا تواضروس فهناك من يحاول تخييره ما بين الانتماء الديني والوطني والتمييز بينهما، ولكن البابا بحكمته وإدراكه للأمور يدرك أنه ليس في صالح الجميع هذا الطرح، لأن العدو يتربص في الداخل والخارج من أجل هدم التلاحم الوطني الذي كان من مكتسبات ثورة ٣٠ يونيو في محاولة للردة والفرقة بين المصريين، بعد تداعيات حكم الإخوان الذي أثبت أن المسلمين المعتدلين هم أكثرية في أكبر عملية تصويت شعبي ثوري ضد قوى الظلام، وهذا لن ينفي وجود جذور تاريخية لجماعات التطرف في مصر، ولكن وقت الخطر كان للمصريين المعتدلين الجرأة والشجاعة في الدفاع عن وطنهم ومقدراته ولكن اختفى هؤلاء الوطنيين من المشهد، لأنهم ليسوا أصحاب مصلحة ولا طموح في مكاسب.

وما زلنا نصدق أنفسنا.. فإن شكل البرلمان المدني والأحزاب المدنية الكرتونية لا يغير من واقع البيئة، إن منظومة الفقر والمرض والجهل لن تنتج إلا المزيد من الدواعش، وإذا كان العقلاء لا يواجهون المشكلة فهذه الأزمة ذاتها.: وإن كان قهر العناصر الثلاثة مستحيلًا في ذات الوقت فإن هزيمة أحداها ممكنة، وليكن أهمها أولًا ألا وهو الجهل ففي الوقت الذي تذخر جامعات مصر بملايين الطلبة ينتشر الجهل والتشوه الثقافي في ربوع المحروسة، بما يشكل وباءً مدمرًا لمستقبل الأمة المصرية وبيئة حاضنة تصدر الدواعش لسيناء، وقبل أن نتحدث عن احتياج الوطن لتجنيد الشباب في سيناء فيجب أن يذهبوا إلى هناك خلال سنوات دراستهم، ليواجهوا بيئة التطرف بالفكر.. وللتذكرة فإن الإخوان لم يحكموا مصر بالصدفة، وإنما بالأعضاء للجماعة والمحبين والمتعاطفين الذين تم استقطابهم من خلال البيئة الحاضنة للتطرف.

وعن ثقافة قبول الآخر في مجتمعنا فالأزمة ليست مسيحي ومسلم بل أصبحت مسلم ومسلم.. نوبي وصعيدي.. أبناء الوادي وأبناء البوادي.. أن تفشي ثقافة العداء بين كل الطبقات والعدوانية أصبح سمة مصرية، ولعل الدراسات الاقتصادية تضع مشكلة العداء مع المستثمر كأهم تحديات الاستثمار الأجنبي في مصر، أيضًا الأحقاد الطبقية لذا نتحدث عن مرض نفسي مجتمعي وهو ضد مبادئ الأديان كافة.. فنحن لا نتحدث عن رفاهية وإنما أولوية قصوى يلزم حلها من أجل بقاء الوطن.

رغم نداءات الرئيس السيسي نحو قهر التطرف بالفكر المستنير فهناك مقاومة ما يشهدها المجتمع، ولما يعمل الرئيس وكأن هناك من يرغب في وأد مكتسبات ثورة يونيو وإسقاط مشروع الرئيس نحو المواطنة التي لا تقف حكرًا على التعايش بين الأديان، وإنما هى عدم التمييز في الدين أو العرق أو اللون كما نص الدستور المصري، وقد ظهرت هذه الرؤية في سياق حديثه عن أهل النوبة في لقائه بالشباب بأسوان، ولعل لمكان المؤتمر دلالة... نعود إلى تهجير الأقباط كقضية تخترق الدستور وخطوط الأمن القومي ولا بديل عن الضرب بيد من حديد وتفعيل القانون.

لا يمكن تحقيق تنمية اقتصادية إلا بتنمية ثقافية ولعل أبسط مثال هو أزمة تعامل المواطن مع السائح، وهى أزمة تسبق الحديث عن الإرهاب ضد السياحة وأساس الأزمة ثقافي وليس أمني، وبالتالي فإن السياحة التي تمثل عَصّب الاقتصاد المصري تعاني من معوقات يجب مواجهتها قبل الخوض في الإرهاب الأسود، وهى البيئة الحاضنة للتطرف والعداء ضد السياح.

إن بناء دولة القانون في سيناء يتطلب أن يعمل المجتمع المدني على حشد الرأي العام الدولي ضد الإرهاب الداعشي، وتعريف أكثر وضوحًا لهذا النمط المدمر للحضارة الإنسانية لاتخاذ إجراءات أمنية أكثر شدة بناءً على أسانيد قانونية، لأن العدو في سيناء ليس جيشًا نظاميًا وإنما مدنيين رجال ونساء وأطفال صباحًا ثم إرهابيين ليلًا مما يجعل مواجهة المدنيين المتخفين له حساسية، مما جعل إنهاء الحرب ليست باليسير أما ضحايا هذه الحروب من الإرهابيين فيسوق لهم داخل المجتمع القبلي أنهم شهداء وضحايا النظام، وهنا تكمن أزمة بقاء الدولة أمام فكر شيطاني يخلق من كل مجرم بطل أمام أولاده ليصبحوا براعمًا للإرهاب فيما بعد.

يجب أن يدرك المجتمع المصري أن اقتحام البيئة الحاضنة للتطرف هى الفقر والمرض والجهل هو الحل نحو بقاء الوطن من عدمه، ومع تنامي المشكلات الاقتصادية في ٢٠١٧ يزيد العنف والتطرف والحقد لذا فنحن في حاجة ماسة لمشروع وطني من المجتمع المدني والأحزاب - ولن أعلق على أداء البرلمان - وبرعاية وزارة الثقافة وبأيدي شباب مصر لقهر التطرف بالارتكاز على روح ٣٠ يونيو ضد هذا الفكر الظلامي وهى روح وطنية لا ينساها من شارك، وخاطر بحياته نحو الوطن مسلمًا أو مسيحيًا ولكن اليوم أرى من يتصدر الشاشات آخرين من الانتهازيين وأصحاب المصالح الذين لن يخرجوا بجديد رغم وهم لا يمثلون هذا الشعب المتعايش مع الجميع بلا تطرف أما دور الأقباط فهو زرع المحبة في المجتمع والصلاة للأعداء الذين تحركهم أحقادهم ضد الوطن، ولعل الصلاة ومحبة الآخر كانت أقوى سلاح للأقباط على مر التاريخ، أما التنوير وبناء ثقافة قبول الآخر فقد كان دورهم على مر التاريخ مع التأكيد على المطالبة بالحق وبناء دولة القانون... ولكن بما لا يسيء للوطن الجريح من معاركه الدامية أمام مخطط إسقاط الدولة من خلال الإرهاب، ثم الاقتصاد في حلقة مفرغة لن نخرج منها إلا بحلول مجتمعية شاملة ومستدامة في ٢٠١٧... إن عام العنف لن يمر إلا بتكاتف المصريين أمام أزمة بقاء الوطن.
Advertisements
الجريدة الرسمية