رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

المستشار أشرف عشماوي: تسريب المكالمات عمل غير أخلاقى وجريمة تنال من هيبة الدولة

فيتو

  • رواياتي الأدبية ليست التفافا على قرارات «القضاء الأعلى» 
  • تنحيت عن قضية التمويل الأجنبي احتراما لنفسي
  • حفظت 99 % من القضايا التي باشرتها لاقتناعي بحرية الرأي
  • تنبأت بسقوط نظام الإخوان قبل رحيلهم بسبعة شهور في " المرشد "
  • استقلت من منصبي كمساعد وزير بعد إرجاء مشروع عودة " النوبيين إلى أرضهم"
  • رفضت منصب وزير الثقافة أو محافظ وليس لدى أي ميزة تؤهلني لها
  • قلت لحازم الببلاوي " مش شرط علشان أنا قاضي كويس أكون محافظ كويس"
  • ثورة 25 يناير كسرت حاجز الخوف بداخلي واحترم من شارك فيها
  • "عزت حنفي" كان ضحية ظروف مجتمع وقبض عليه بسبب "الحمار "
  • رواية "مولانا " محترمة وناجحة ومهمة وجريئة ووصلت لجائزة البوكر
  • تسريب مكالمات "البرادعي" جريمة تنال من هيبة الدولة
  • حبس إسلام البحيري وأحمد ناجي تسببا في شهرتهما
  • بعض الكتاب يكتبون عن الجنس والدين للشهرة واللجوء السياسي

المستشار "أشرف العشماوي" نائب رئيس محكمة النقض، ومساعد وزير العدالة الانتقالية سابقًا، احترف كتابة الروايات الأدبية، ليكون أول قاضي في العصر الحديث يجمع بين مهنة القضاء والعمل الأدبي، استطاع أن يحفر اسمه بين الأدباء من خلال ست روايات، وصلت روايته "تويا" إلى قائمة البوكر عام 2013 للرواية العربية.
بدأ الكتابة عام 1999 وأصدر ست روايات وهم " زمن الضباع، تويا، المرشد، البارمان، كلاب الراعي، سرقات مشروعة، تذكرة وحيدة للقاهرة "، وقال في حوار لـ " فيتو " إنه كان خائفًا من القارئ، وكان لديه هاجس أن ما يكتبه لا قمية له. 
إلا أن مقابلته للكاتب الكبير أنيس منصور في مارس 2010 غيرت مجرى حياته تمامًا، عندما طلب "العشماوي " من أنيس منصور قراءة إحدى الروايات التي كتبها قبل نشرها، شجعه وقال له "أنت روائي رائع، ومش أي حد بيعرف يكتب روايات، سيبك من القضاء واتفرغ للكتابة "، وعرفه بالفعل على بعض الناشرين ونشر أول رواياته في أغسطس 2010 وهى زمن الضباع.
في عام 1995 حينما وقعت محاولة اغتيال الكاتب العالمي نجيب محفوظ كان أشرف العشماوي ما زال في سلك النيابة العامة، وكان أصغر أعضاء لجنة التحقيق، ولأن حب الأدب والثقافة كان متأصلًا بداخله، ظلت وقائع التحقيق محفورة في ذهنه طوال هذه الفترة الطويلة.
عمل محققًا بنيابة أمن الدولة، وعمل في العديد من القضايا المهمة مثل قضية الجاسوس عزام عزام، قضايا الفساد والإرهاب في طابا وشرم الشيخ، قضية عزت حنفي تاجر المخدرات المعروف.
استقال من منصبه كمساعد لوزير العدالة الانتقالية احتجاجًا على عدم تنفيذ الحكومة لوعودها اتجاه أهالي النوبة، رافضًا بعد ذلك أية مناصب تنفيذية بالحكومة متمسكًا بعباءة القضاء والأدب معًا.
وإ
لى التفاصيل:

*أيهما تفضل من الألقاب القاضي أم الروائي أشرف العشماوي؟
أفضل لقب الروائي عن لقب المستشار أشرف العشماوي، فأي شخص يقدم أي نوع من الفنون أيًا كانت، أعتقد أنه يفضل أن يقدم بالموهبة التي منحها الله له، اللقب الروئي أعلى عندي من اللقب الوظيفي، فالفن والأدب عمل إنساني من الدرجة الأولى وفن راقي يرتقي بالنفوس، أما القضاء فهو يحقق العدل والطمأنينة، ومشتركان بأنهما أعمال إنسانية، ولكن تأثير الفن أقوى من تأثير القضاء.

*كيف تأثرت كأديب وروائي بعملك كقاضي؟
بدأت أكتب وأنا في سن 30 عامًا، ونشرت أول رواياتي وأنا في بداية الأربعينيات، منذ 7 سنوات تحديدًا، وأرى أن الأدب والفن يجعل القاضي الأديب أو الكاتب أكثر إنسانية ورحمة، إنما القضاء يعطي للفنان أو الأديب الخيال، ويزيد مساحة الخيال لديه من خلال ما يراه في القضايا، فيرى نفوس في حالات ضعف، وردود أفعال المجني عليهم، والحوارات الداخلية للمتهمين سواء من خلال أوراق القضية أو التحقيقات أو المحاكمات، وجميعها خبرات متراكمة للقاضي عند تحوله إلى أديب.

*ألا ترى أن تعامل القاضي كما قلت بالرحمة والإنسانية يتعارض مع القول المتعارف عليه بأن القاضي يتعامل مع القضية من خلال الأوراق فقط؟
هذه المقولة غير صحيحة، ولا استخدمها، ربما تكون صحيحة في القضاء المدني، القاضي لا يستطيع أن يحكم مشاعره أو وجدانه فيها مثل القضايا الخاصة بعقود الإيجارات، والبيع والشراء وغيرها، لكن القضاء الجنائي يختلف تمامًا، خاصة في العقوبات المشددة كالمؤبد والإعدام، مثل الحكم على امرأة لديها أطفال بالإعدام، أو شخص سرق لأنه " مش لاقي يأكل". 
وأذكر أنني عندما اشتغلت قاضيًا من 2007، بعد خدمتي في نيابة أمن الدولة، كان أمامي متهم بسرقة خبز من مخبر حتى يأكله، لأنه غير قادر على شراءه، ورغم أنه معترف بسرقته إلا أنني أصدرت حكمًا ببراءته، وأنحي القانون جانبًا، لأن الناحية الإنسانية هى الأقوى، القاضي الجنائي يحكم بوجدانه ممكن لا اطمئن لأقوال شاهد أو للأوراق التي أمامي وقد لا أصدق الأدلة الموجودة أو أراها مبالغ فيها، فأحكم بالبراءة وهذا ما أفعله.

*وهل اعتمدت على وجدانك في قضايا قتل ورفضت إصدار عقوبة بالإعدام على الجاني؟
لو في حالة دفاع شرعي عن ماله أو عرضه أو عن نفسه أعطي براءة، وأتذكر أيضًا قضية كان متهم فيها أب وأم بقتل ابنتهم، لأنها حملت سفاحًا، وكان لديهما ستة أطفال آخرين، ورأيت أنه من الصعب أن أحكم بالإعدام عليهما خوفًا على مصير بقية أطفالهما، وأصدرت حكمًا بحبس الأب لم أصدر ضده حكم بالإعدام، أما الأم فأصدرت حكمًا ببراءتها من أجل أبنائها، فالإعدام حد أقصى للعقوبة، لكن في حدود دنيا لها ممكن استخدمها، ولكل جريمة ظروفها وملابساتها، فلا مانع من استخدام الرأفة.

*لم تخل رواياتك من السياسة، فكيف تتعامل مع قرار مجلس القضاء الأعلى وقانون السلطة القضائية الذي يحظر على القاضي الإدلاء بآراء سياسية؟
قانون السلطة القضائية يحظر على القضاة الإدلاء بآراء سياسية، وعدم الانضمام إلى أحزاب سياسية، أو تنظيم مظاهرة أو كتابة مقال سياسي، لأن إفصاح القاضي عن اتجاهاته وميوله يجعله غير صالح لنظر القضايا، والكتابة الأدبية لا تخلو من السياسة لكن أنا أضع الحوارات على لسان شخصيات واختفي تمامًا وراءها، فقد تكون تلك الشخصيات معارضة أو مؤيدة وهو محض خيال، انا أكتب لأني أرغب أن أفكر بصوت عالي مع القارئ، أهدف إلى التسلية والمتعة، وهنا الحكم على عملي من الناحية الأدبية والفنية فقط.

*هل سبق وأن اعترض مجلس القضاء الأعلى على أعمالك الأدبية؟
لم أجد من المجلس أي اعتراض، ولم أتعرض لأية ضغوط أو مضايقات، والقانون يمنحني الحق في كتابة روايات أدبية، الأساس في القانون حظر أفعال معينة، وطالما لا تندرج الكتابة أو الأدب تحت هذه الأفعال المحظورة أصبحت مباحة.

*واجهت هجومًا شديدًا بعد إصدار رواية " المرشد "..ما السبب؟
الرواية تتناول مواقف عن الجريمة السرية وعمل المرشدين مع الشرطة ووشايتهم ضد آخرين بما فيهم التيارات الدينية المتطرفة، التي نجحت في تجنيد أحد ضباط مباحث أمن الدولة لصالح التنظيم الديني فصار مرشدًا لهم ضد وزارة الداخلية، فهى تجسد فساد المجتمع وتطرفه الديني على مدى نصف قرن مضى من خلال شخصين يعملان مرشدين للشرطة، أحدهما لص آثار، والثاني إرهابي الأول يسرق حضارة مصر، والثاني يطمس هويتها تمامًا فيبدوان كطرفي المقص كلاهما مشدود للآخر ولكن كل منهما في اتجاه، وما أن يلتقيا حتى يمزقا مصر إربًا متنبئًا في نهايتها بسقوط الحكم الديني تمامًا في مصر.
وواجهت هجومًا شديدًا من جماعة الإخوان، لنزولها في يناير 2013 قبل رحيل الإخوان عن الحكم بـ سبعة شهور، وتمثل الهجوم في سب وقذف من عناصر منتمين للجماعة، إلا أنني لم أتعرض أنا أو أسرتي لأذى.

*كيف تنبأت في رواية " المرشد " برحيل الإخوان عن الحكم؟
قراءة التاريخ جعلتني أصل إلى استنتاج، فجماعة الإخوان كيان يعيش تحت الأرض، وهى جماعة منظمة جدًا في عملها خاصة الأعمال الخيرية، لكنها معدومة الخبرة السياسية والفكر والخيال والإبداع، فلا نرى بينهم مصورًا، أديبًا، كاتبًا أو فنانًا، ومن يفتقر الإبداع يفقد أشياء كثيرة مهمة، هذا بجانب معاداة الجماعة للقضاء بالإعلان الدستوري الذي صدره الرئيس المعزول محمد مرسي، وعجل بالنهاية، فضلًا عن النبرة العدائية منهم للقضاء، والتعدي على القضاء وهو أمر غير مقبول لدى الشعب.

*ولماذا اخترت هذا التوقيت لنزول رواية المرشد؟
لم أخشَ نزولها في هذا التوقيت، أنا لدى ثقة وقناعة فيما اكتبه، وطالما أنا راضِ عما كتبت فلا يهمني شيء.

*لماذا تعرضت لهجوم شديد من الناصريين على روايتك الجديدة "تذكرة وحيدة إلى القاهرة ؟"
هوجمت هجومًا عنيفًا بسبب تلك الرواية، وتقبلت ذلك، ولكن بعض من هاجمني لم يقرأ الرواية وينتقد لمجرد الانتقاد، وكان الهجوم على أساس أن الشخصيتين الأساسيتين هما البطل النوبي من بيئة فقيرة، والبطل الثاني منتمي للطبقة الملكية ووالده باشا، وهذه كانت التركيبة في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، حيث تضرر النوبي بسبب السد العالي وخزان أسوان رغم أهميتهما، والبطل الثاني تضرر بسبب مصادرة وتأميم أموال الأغنياء، وبالطبيعي أن يكون الاثنان كارهين لـ" عبد الناصر "، وفي هذه الرواية كنت أصف شعور الأبطال وأحوالهم النفسية.

*ألا ترى أن تلك الرواية قد تفصح عن ميولك واتجاهاتك السياسية بما يخالف الأعراف القضائية؟
هذا غير صحيح، ولا يوجد رواية تفصح عن ميولي السياسية أو اتجاهاتي، القاضي لا يمكن أن يفصح عن ميوله السياسية، فمثلًا رواية " تويا " كان البطل فيها ناصريًا وكان يرى عبد الناصر زعيمًا، أما رواية " تذكرة وحيدة للقاهرة " العكس تمامًا، والقارئ لا يهمه ميولي السياسية، ولم أخالف القانون بتقديمي روايات أدبية.

*كيف انعكست فترة عملك بنيابة أمن الدولة على شخصيات رواياتك؟
لم استغل عملي في النيابة في الروايات التي كتبتها ماعدا رواية " المرشد "، استلهمت جوانب من الشخصيات أبطال الرواية من حوادث حقيقية عايشتها في عملي، وأضفت عليها الخيال، فالشخصية الروائية حاصل جمع الواقع والخيال.

*اخترت النوبيين ليكونوا أبطال روايتك الأخيرة " تذكرة وحيدة للقاهرة "، فهل كنت تقصد تسليط الضوء على تلك الفئة المهمشة؟
هذا شرف لا أدعيه، فقد كنت أرغب في كتابة أدب جريمة وكان لدى فكرة عن طريقة معينة لارتكاب جريمة من خلال طبيب شرعي، وفي ذات الوقت عينت في أغسطس 2014 مساعد وزير للعدالة الانتقالة، وكلفت بملف النوبة وقرأت كثيرًا عن النوبة، والتقيت بهم وتعرفت على الجوانب الإنسانية العالية لديهم، وعندما سافرت النوبة لأداء عملي ودراسة مشكلاتهم بدأت فكرة الرواية تراودني من اليوم الأول، وبدأت أرجع الفندق بعد الاجتماعات واللقاءات وجلسات العمل معهم ومعايشتي لأحوالهم اليومية، وأدون نقطًا معينة للرواية.
فلم أكتب الرواية حتى أساعد أهل النوبة بها، أو ألقي الضوء عليهم، إنما كتبتها للفن، أنا صنعت عملًا روائيًا بحتًا.

*وهل كان النوبيون السبب في استقالتك كمساعد وزير؟
تقدمت باستقالتي لتعاطفي الزائد مع مشكلاتهم، فهم هجروا من أراضيهم على مدار مائة عام، ولم يتم تعويضهم بالكامل إلا البعض منهم، ورغم أهمية السد العالي وخزان أسوان إلا أنهم تضرروا ولم يعوضوا، وطريقة التعويض كانت محل خلاف على مدار الرؤساء السابقين.

*ألا ترى أن بيع الروايات لتحويلها إلى أعمال درامية وتليفزيونية يدخل في نظاق العمل التجاري المحظور على القاضي؟
القاضي لا بد أن يبعد تمامًا عن العمل التجاري، وبالتالي أنا لم أكتب سيناريو، لأنه عمل تجاري بحت، واحترم قرار مجلس القضاء الأعلى في ذلك، ولدي وكيل أدبي وهى الدار المصرية اللبنانية اللي تتولى إبرام العقود، فلم أوقع عقدًا مع أحد أو اتفق على أموال، وجميع التعاملات التجارية من خلال وكيلي الأدبي وليس لدى استعداد أن يحصل خلاف مع الطرف الآخر ويصل إلى المحكمة ويكون الطرف الآخر قاضيًا، بعدًا عن شبهة المجاملات، كما أنني لم أعقد جلسات عمل مع السيناريست أو المخرج، ولم أتدخل في عملهم، قد أقرأ المعالجة في السيناريو دون أي تدخل مني.

*لماذا رفضت تولي منصب وزيرًا للثقافة وقبلها منصب محافظ؟
لا أحب المناصب التنفيذية، وليس لدى أي ميزة تؤهلني لتلك المناصب، وهذا ما قلته لرئيس الوزراء السابق حازم الببلاوي عندما عرض على منصب محافظ، فعندما سألته لماذا اختارني لتولي هذا المنصب، قال لي " علشان أنت قاضي كويس"، فقلت له " مش لازم علشان أنا قاضي كويس أكون محافظ كويس"، فضلًا عن رغبتي في أن أكون بحريتي في الكتابة، وليس منطقيًا أن أكون محافظًا أو وزيرًا وأصدر روايات أدبية، وإذا زادت المبيعات أو تم تكريمي يتهموني وقتها بأنها مجاملة، كما أني لا أصلح لعمل سياسي من ناحية أخرى، حتى لا أردد الصوت الرسمي وأكون جزءًا من المنظومة السياسية، وقتها لن أصلح لكتابة رواية.

*كنت قاضيًا للتحقيق في القضية المعروفة إعلاميًا بالتمويل الأجنبي، فلماذا اعتذرت عن مباشرة التحقيق فيها؟
اعتذرت عن القضية بسبب أنني فوجئت بهروب المتهمين الأمريكين بعد إصداري قرارًا ضدهم بمنعهم من السفر، خارج البلاد، فكيف أمنع باقي المتهمين من السفر، هل قراري وقتها سيكون محل احترام، وأصبحت قرارات على الورق ولم تحترم، فقررت أن أحترم نفسي وتاريخي وأترك القضية واعتذر عنها، أي قاضي مكاني كان سيفعل ذلك.

*ما رأيك في الدكتور محمد البرادعي؟
انا أرى أنه رجل وطني محترم وضد التشكيك في وطنيته، كما أنه كان سابقًا بتفكيره المرحلة الحالية، لكن نفسه قصير، والدنيا تجاوزته، لا أعتقد أنه يمكن أن يفكر في العودة مرة أخرى لشغل أي منصب، بعد تعرضه لحملة تشويه كبيرة.

*كيف ترى تسريب مكالمات له في الفترة الأخيرة؟
أنا ضد تسريب المكالمات وأرى أنها عمل غير أخلاقي، وجريمة تنال من هيبة الدولة بسبب سماحها بأن تظهر تلك التسريبات على شاشات التليفزيون، رغم قدرة الدولة على منعها، وعمل يستوجب المساءلة القانونية ويجب أن تتوقف تمامًا، وأرى أن حملات التشوية في الفترة الأخيرة هى اغتيال المعنوي، فليس من السياسة تشويه الخصوم بطرق غير مشروعة، فإذا كان هناك أخطاء لخصمي أحاسبه أو أرد عليها، إنما اللجوء لطرق غير مشروعة لتشويه الصورة دون التعرض لأفكاره ليس بها شرف أو نبل في الخصومة.

*هل يمكن أن تستقيل حتى تتفرغ للكتابة؟
لا أفكر في هذا، قادر على تنظيم وقتي بين الكتابة والقضاء ولدي وقت أن أباشر عملي وأعطي أولوية للقضايا، وبعدها كتاباتي، أنا أحب عملي القضائي جدًا وأعتز به ورفضت مناصب سياسية من أجله، ولكن إذا وجدت نفسي فيما بعد غير قادر على التوفيق بين الاثنين سوف استقيل واتفرغ للكتابة، حتى لا أظلم القضاء.

*حققت مع تاجر المخدرات المعروف عزت حنفي، التي تحولت قصته إلى فيلم عربي "الجزيرة " فهل جسد الفيلم القصة الحقيقية لحياته؟
فيلم الجزيرة مختلف تمامًا عن الحقيقة، هذا ليس عزت حنفي، عزت حنفي سرد لي قصة حياته كاملة وأسراره ولكن لا يمكن إفشائها، تعايشت معه عامًا كاملًا كنت أراه يوميًا حتى المحاكمة وحضرت إعدامه هو شخصية كريمة لم يكن لها وجود في الحقيقة، ولكنه رجل قتل ناس كثيرة جدًا غير أنه تاجر مخدرات، وحصل على ستة أحكام إعدام غيابي، وكان القتل بسبب تجارة المخدرات، وكان بينه وبين عائلة سباق خلافات وخصومات ثأرية، وقتل من أهله أشخاص عديدة ولكنه قتل أكتر مما قتل له، كما أنه لم تقتل أمه أو زوجته أو اخته كما حدث في الفيلم، ولم يهرب بل أُعدم هو وشقيقه.

*أشعر من حديثك أنك متعاطف معه؟
نعم أنا متعاطف إنسانيًا مع عزت حنفي، حيث مر بظروف خارجة عن إرادته أدت به إلى هذا المصير، لكن أفعاله كان يستحق عليها الإعدام، ورغم جرائم التي ارتكبها إلا أنه لا يتمتع بذكاء.

*وكيف اختلفت طريقة القبض عليه عن الفيلم؟
مختلفة تمامًا، رغم وجود قوات أمن كبيرة بالفعل كما حدث بالفيلم وأبراج يقذف من ورائها أنابيب الغاز على قوات الأمن، إلا أن طريقة القبض عليه مختلفة عن الفيلم، فخرج " حنفي" من منزله أثناء ضرب النار عن طريق حبيبته وهى فتاة كان عمرها، 19 عامًا وخرج وهو راكبًا حمارًا بعد ابتلاعه قرصًا مخدرًا، ونام على ظهر الحمار وغطته حبيبته بالبرسيم وأثناء ضرب النار أصيب الحمار وسقط على الأرض وسقط حنفي من على ظهر الحمار أيضًا وتم القبض عليه، ولم يتزوج بحبيبته بسبب رفض زوجته الزواج منها ولديه ابن.

*كتبت أربع روايات قبل ثورة 25 يناير، وروايتين بعد 30 يونيو، فكيف اختلفت رؤيتك في طرح الأفكار قبل وبعد الثورتين؟
بعد ثورة 25 يناير كسرت حاجز الخوف بداخلي، لأني تأثرت بها جدًا وأحترمها وهى حدث جلل وثورة مهمة جدًا، واحترم من شارك فيها أما 30 يونيو شاركت فيها بدافع وطني، وفخور أنها كانت سببًا في الخلاص من حكم يستند على خلفية دينية، كتبت بعدها " كلاب الراعي " و" تذكرة وحيدة للقاهرة " وكان هناك جرأة أكثر في الطرح، بعد أن كنت ألجأ إلى الرمز في روياتي قبل 25 يناير.

*أنت متهم بأنك عدور للمرأة، لماذا؟
النقاد وجهوا لي اتهامًا بأني عدو المرأة وأظلمها في رواياتي، ولكن لا أقصد ذلك وإنما أحاول عمل إسقاط على الدولة والوطن، فالوطن مجروح ويتعرض لأزمات كتيرة، لكني ليس ضد المرأة. 

*كيف تنظر إلى القضايا الخاصة بالفكر والإبداع؟
عندما كنت أعمل بالنيابة كنت أتعامل بمبدأ أن حرية الإبداع مكفولة بنص الدستور، والفكر لا يمكن مواجهته بعقوبة أو بحبس،، 99 % من القضايا التي باشرتها حفظتها، فقد نظرت 43 قضية، حفظت 42 قضية منهم، لأني مقتنع بحرية الرأي وهناك أشخاص يريدون أن يكونوا أبطالًا من ورق، فكان لدى قضايا لبعض الكتاب المغمورين يريدون الشهرة فيلجئون للكتابة في أسهل ثلاثة موضوعات تصنع شهرة في مصر وهى " الدين، الجنس، السياسة "، وكانوا يلعبون على وتر الدين من خلال سب الدين والأنبياء، وطالبت القاضي في مرافعتي بإحدى القضايا بحصول المتهم على البراءة، فتجاهل هؤلاء وما يكتبوه هو أقصى عقوبة لهم، حتى لا يحسب له قيمة، وكان القاضي يستجيب، وكان هذا الكاتب المغمور أصدر كتابًا فيه سب للدين، واتضح أنه كان يرغب في توقيع عقوبة الحبس عليه، حتى يتمكن من اللجوء السياسي إلى هولندا، وأقرب مثال أيضًا حبس أحمد ناجي الذي حصل على شهرة كبيرة وشاهد روايته أكثر من 2 ونصف مليون مشاهد، بعد قرار حبسه رغم أن ما كتبه لا يمت للأدب بصلة. 

*وكيف ترى محاربة الأزهر لفكر إسلام البحيري؟
طريقة التعامل مع إسلام البحيري خاطئة، احترمت جدًا المناظرة التي تمت بين الأزهر وإسلام البحيري، وهو النموذج الأمثل للحوار، لكن تصعيد الأمر إلى القضاء بإقامة دعوى قضائية ضده أمر غير مقبول، وحبسه جعل له جمهور أكبر لأن الممنوع مرغوب.

*بعد دراستك لمشكلات أهل النوبة في مصر، ماذا قدمت لمساعدتهم من خلال منصبك كمساعد لوزير العدالة الانتقالية والمسئول عن ملف النوبة؟
بعد دراسة الملف، وجلسات حوار مع أكثر من 500 نوبي لحل مشكلة ممتدة منذ أكثر من نصف قرن، من خلال إعداد تصور قانوني وفقًا للدستور لعودة المهجرين للنوبة القديمة خلال عشر سنوات، وعدتهم بأن أفعل كل ما أستطع لحل أزمتهم، فقام أحد النوبيين وسألني " إحنا بنسمع وعود من سنين ولم تنفذ، ولو منفذتش اللي بتقوله هنعمل إيه؟!"، فقلت له " سأستقيل، أنا جاي لمهمة محددة لو معملتهاش سأستقيل "، وكنت صادقًا في وعدي لأني لا أهوى المناصب "، ورفضت منصب محافظ قبل ذلك، وكنت سعيدًا عندما تقدمت باستقالتي، وعودتي لمنصة القضاء.
كما تقدمت بورقة عمل وتصور كامل لهيئة عليا تدير شئونهم وتعيد لهم أراضيهم مع تملكها بمرور الوقت وفقًا للدستور ولمبادئ العدالة الانتقالية، يشارك فيها النوبيون مع المسئولين الحكوميين بالتساوي ويرأس الهيئة مسئول حكومي مشهود له بالنزاهة على أن يعودوا إلى ضفاف البحيرة على مساحة تحددها وزارة الري بالاتفاق مع القوات المسلحة، وتم الموافقة على معظم المشروع من الحكومة، وتوصلنا إلى مسودة في شكل قانون وأرسلتها إلى مجلس الوزراء، إلا أن الحكومة ارتئت وقتها أن يتم انتظار البرلمان، وأنه لا داعي للاستعجال، فشعرت أن دوري انتهى وتقدمت باستقالتي، تنفيذًا لوعدي، وقد يكون أيضًا تعاطفي الزائد مع مشكلاتهم هو السبب، فهم هجروا من أراضيهم على مدار مائة عام ولم يتم تعويضهم بالكامل إلا البعض منهم، وطريقة التعويض كانت محل خلاف على مدار الرؤساء السابقين.

*ما رأيك في رواية " مولانا " لـ " إبراهيم عيسى"؟
الرواية جيدة وجذابة ولكن بها قليل من الحشو والتفاصيل، صوت إبراهيم عيسى كان عاليًا، إلا أنها محترمة وناجحة ومهمة وبها جرأة في طرح الأفكار ووصلت لجائزة البوكر، ولكن تظل الرواية أفضل من الفيلم، فالرواية بها رؤية لم يستطع أن يحققها الفيلم، الفيلم لم يعجبني ولكنه جرئ ويطرح فكرة جيدة.

*لماذا اخترت " المرشد " لتكون أول راية لك يتم تحويلها إلى عمل درامي؟
كل رواياتي تم بيعها ما عدا " تذكرة وحيدة للقاهرة "، لتحول إلى أعمال درامية، اشترى رواياتي مخرجون ومنتجون، فقد اشترى " المرشد " المخرج على بدرخان، وانتهى من عمل السيناريو ومنتظر تصوير المسلسل، أما شركة "كان " للإنتاج السينمائي التي أنتجت مسلسل " حواري بوخارست " اشترت رواية" بارمان "، وشركة " أون تي في برومو ميديا " التي انتجت فيلم مولانا اشترت رواية " تويا " لعمل فيلم، ورواية " كلاب الراعي " اشتراها منتج أردني.

*ألا ترى أن بيع الروايات لتحويلها إلى أعمال درامية وتليفزيونية يدخل في نظاق العمل التجاري المحظور على القاضي؟
القاضي لا بد أن يبعد تمامًا عن العمل التجاري، وبالتالي لم أكتب سيناريو لأنه عمل تجاري بحت، واحترم قرار مجلس القضاء الأعلى في ذلك، ولدي وكيل أدبي وهى الدار المصرية اللبنانية اللي تتولى إبرام العقود، فلم أوقع عقدًا مع أحد أو اتفق على أموال، وجميع التعاملات التجارية من خلال وكيلي الأدبي وليس لدى استعداد أن يحصل خلاف مع الطرف الآخر ويصل إلى المحكمة ويكون الطرف اللآخر قاضيًا، بعدًا عن شبهة المجاملات، كما أنني لم أعقد جلسات عمل مع السيناريست أو المخرج، ولم أتدخل في عملهم، قد أقرأ المعالجة في السناريو دون أي تدخل مني.

*هل يمكن أن نرى القاضي بطلًا في إحدى رواياتك القادمة؟
نعم ممكن أكتب رواية بطلها قاضي، لكن ليس الآن، لأني اكتب الآن رواية جديدة ولدى أفكار لروايات أخرى لها عندي أولوية ضمن مشروع أدبي، ووارد أن اختم بها مشواري الأدبي، أو عندما أخرج إلى المعاش.


الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"
Advertisements
الجريدة الرسمية