رئيس التحرير
عصام كامل

في حضرة الرجال


كنت ضمن وفد من رؤساء تحرير الصحف والمجلات المصرية الذين نالوا شرف زيارة نخبة من أبطالنا الذين يعالجون بمستشفى القوات المسلحة بالمعادي، وكم كانت تلك اللحظات معبرة، عندما وجدنا أنفسنا في أحجام صغيرة بجوار بطولاتهم، التي سطروها ذودا عن الوطن، هناك في البقعة الملتهبة من شمال سيناء، شباب في عمر الزهور تخرجوا في كلياتهم العسكرية، وذهبوا إلى هناك حيث لا مكان إلا للأبطال والمجاهدين في سبيل رفعة هذا الوطن.


ورغم قسوة بعض الإصابات إلا أن الجميع هناك تعلو وجوههم ابتسامات الأمل والعزة والكبرياء، أسود في مواجهة فئران الظلام، محاربون في مقابلة مع عتمة الأفكار، أبطال في مواجهة التخلف والجمود والفئة الضالة، الرضا على جباههم كما لو كان لؤلؤا منثورا، عزيمة تخرج من حناجرهم تطارد قوى الشر مهما استقوت، آه من ذلك الجندي الذي جاء من أقاصى الصعيد حاملا روحه على كفه، راضيا مرضيا، تدفعه إطلالات الأقدام، وتظلله سحابات الحب الجارف لوطن يعرف قدر أبطاله.

وآه ثم آه من ذلك الضابط الذي أصر على الوقوف في استقبالنا، رغم فقده ساقا سبقته إلى سجلات النصر والعزيمة، يقف شامخا، صامدا، عزيزا، أبيا، لا تشغله إلا حسرة الرغبة في العودة إلى هناك، حيث يرسم الأبطال لوحات من خيوط النصر والشهادة، حبا وعشقا وولها في وطن يستحق منا جميعا التضحيات.

استراحة محارب فرضت عليه ظروف الإصابة ألا يكون هناك.. يطالب أطباءه بالخروج في أقرب فرصة ليتشارك مع زملائه في الذود عن مصر العفية الأبية القوية.. يخطط مع رفاقه للعودة إلى حيث كان ولا مكان إلا لحكايات السمر والحب والعشق فوق تلال الجبال، وعلى نواصي النصر المبين، يرغبون ولا يقف ضد رغبتهم إلا تعليمات الاطباء الذين يسطرون قصصا من العمل المتواصل في خدمة أولادنا فلذات أكبادنا، في كل غرفة ألف حكاية وحكاية، تؤكد أننا أصحاب المواجهة الحقيقية، في زمن أصبح فيه للإرهاب سند من دول وجماعات فقدت ضمائرها الإنسانية، وأرادت أن يركع هذا الوطن.

الليل البهيم يحاصر أصحاب الأفكار الظلامية هناك، والوطن المضيئ، يغلف أبناءه بالنور الساطع من على جباههم، يضمد جراحهم، يحنو عليهم، يكتب بتضحياتهم حكمة أبدية تتواصل صياغتها منذ قديم الزمان، يكتبون للأجيال القادمة أسطورة المجد التليد منذ أحمس وحتى هؤلاء الذين رضعوا الإقدام، وشربوا العزيمة، وطعموا الصمود، وأقسموا بالروح والدم ألا يعيش بيننا خائن ولا عميل.

ملائكة الرحمة أنعمت عليهم السماء بخدمة أولادنا على أسرة لن تكون يوما سجنا يحول بينهم وبين عودتهم لاستكمال ما بدأوه، أطباء جادت عليهم السماء بأن يكونوا جزءا من الحكاية، كل شيء هنا يتضاءل، يتقزم، يصغر حتى يصبح لا شيء بجوار ملاحمهم، ونضالهم، وإصرارهم، وعزائمهم التي لاتهن، ولا تتراجع، سبقتنا دموعنا ليس شفقة وإنما إعزازا وإجلالا وإيمانا بأن وطنا هؤلاء أبناؤه لن ينكسر أبدا، وأبا مصريا معجونا بطين الأرض لا يزال يقف بجوار ابنه تطال رأسه سموات لايعرفها إلا من أنجبوا رجالا ليسوا ككل الرجال، رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه.

عندما تقف أمام حكاية.. من حكايتهم، قصة من قصصهم، ملحمة من ملاحمهم، ساعتها ستعرف جيدا كيف تنام في بيتك آمنا، وطفلك بجوارك آمنا، وزوجتك في نفس البيت الآمن.. ستعرف أن حبر القلم أقل من أن يعبر أو ينقل ما رأيت أو يصور ما سمعت.. ساعتها ستعرف أنك في حضرة الرجال.
الجريدة الرسمية