رئيس التحرير
عصام كامل

قاطعوا براحتكم.. نحن مقاطعون طبيعيا من زمن !


مع بداية الصيام الكبير للمواطنين المسيحيين في مصر والذي يسبق عيد القيامة وأعياد شم النسيم، تفاءل الكثيرون خيرًا بقدرتهم على مكافحة جنون الأسعار وانفلاتها عن طريق مقاطعة اللحوم والدواجن لمدة أسبوعين، يحدث ذلك تزامنًا مع فترة الصيام الروحانية الطويلة عن المواطنين المسيحيين ولمدة 55 يومًا بالتمام والكمال، لكن ذلك لم يجدى ولن يجدى مع تجار جشعين وحكومة تتبع سياسات تيسر الغلاء وتروج له بل تعتبره دليلا على التقدم الاقتصادى، ومع ذلك فإن تلك الخطوة محمودة لاستشعار بعض السيدات الفضليات خطورة الأمر رغم أن من تصدين لتلك الحملة من بقايا الطبقة الوسطة المتآكلة يومًا بعد آخر في مصر، لكن تبقى هناك عدة ملاحظات مهمة قد تدفعنا لعدم الثقة في أسلوب مقاطعة السلع.


أولا.. ليس هناك منطق مقبول للعرض والطلب في المجتمع المصرى لسببين رئيسيين، أولهما أن تعداد المصريين قد تجاوز حاجز التسعين مليونًا، أغلبيتهم فقيرة أو تحت خط الفقر ولا تشترى من الأساس لحومًا بلدية من عند الجزار بل إنها تتعايش على اللحوم الفاسدة والمستوردة وأشياء أخرى بسبب الفاقة وعدم قدرتهم على الاقتراب من محل جزارة يبع كيلو اللحم بعشر أو خمس دخل الموظف أو العامل منهم في الشهر، يبقى هناك معروض من السلع الغالية ولكن هناك أيضًا زبائن لها ولا تبور ولن تبور يومًا لارتفاع نسبة من يحصلون على دخول مرتفعة من فئة العاملين في الشركات القابضة الحكومية المدللة، ثم العاملين في البنوك والمؤسسات الاقتصادية وبالقطع أصحاب المراكز النافذة والتي يعرفها الجميع.

أضف إلى هؤلاء الطبقة المستحدثة من التجار والطفيليين الذين يتاجرون بكل شىء تقريبا حتى البشر أنفسهم منذ انفتاح السداح مداح والتحول الفج لقيم الرأسمالية (المصرية) والتي لا يوجد مثيل لها في العالم من حيث توحش الفساد وعدم وجود حاكم فعلى أو مهيمن على الأسعار ونسبة ربح التاجر والتي قد تتجاوز خمسة أضعاف قيمة السلعة الحقيقية.. كل هؤلاء يستطيعون العيش بهناء ورفاهية مستفزة ولا تكسد تجارتهم أو سلعهم في مجتمع أكثريته محرومة نظرًا لوجود من يسد هذا الفراغ من الأثرياء والمستفيدين منهم والعاملين معهم وحتى خادميهم.. إذا قاطعت السلعة لن تركد لأن هناك غيرك يشترى ويشترى بل يتمادى في السفه والمباهاة بقدرته على الحصول على أي شىء بأى ثمن مهما كان غاليًا أو مبالغًا في سعره، بل تخطى الأمر في ذلك لشيء كبير من الحقارة والوضاعة بحيث يتفنن البعض منهم في إظهار فقر و(حرق) دم الآخرين من محدودى الدخل ومتآكلى الدخل ومعدوميه أيضًا بقدرته على الإنفاق بسفه !

تقريبًا انقسم المجتمع إلى طبقتين، طبقة كبيرة حجمًا وعددًا لكنها ضعيفة مفقورة مغلوبة على أمرها تصارع الحياة اليومية وتزهو بنجاحها إن استطاعت تلبية الحاجات اليومية من غذاء ودواء وتعليم لأبنائها، تلك الطبقة مقاطعة طبيعيًا كل أنماط الحياة (الطبيعية) التي تسود أي مجتمع سوي أو حتى شبه دولة، تلك الطبقة، لا تعرف حتى أسماء بعض السلع التي يشتريها البعض من المواطنين الأشقاء داخل نفس دولتهم، أما الطبقة الثانية الأصغر عددًا ولكنها بالملايين، ربما تفوق في تعدادها حجم بعض دول الخليج مجتمعة.

تلكم الطبقة قادرة ونافذة بل تشعر بالإنجاز مثلا عندما تبيع مخزونها من العملات الصعبة التي استثمرت فيها أموالها فتضاعفت ثرواتهم في يوم وليلة لأضعاف كثيرة.. تذكر من هؤلاء السيدة الفاضلة زوجة محافظ البنك المركزى والتي نقل سعادته لنا مقدار سعادتها بتعويم الجنيه وإغراق المصريين في مستنقع الفقر.. بالطبع لا يهم كل ذلك ولا يهمنا جوع الجوعى وألم المرضى مادامت هي والفضليات معها سعداء ومبسوطين وفرحانين بخيبتنا الثقيلة.

لن تجدي مقاطعة من أي نوع طالما السياسات الاقتصادية منحازة لفكر السوق القميء والذي يبيع كل شيء، يبيع الحق في الحياة ولا يعتبره فرض عين على كل مسئول تجاه من يحكمهم أو يتحكم فيهم.. قاطعوا براحتكم فلن يجدى الأمر حتى مع صيام المواطنين المسيحيين فهناك قطعًا من سيتشري وينقذ التجار الفاسدين ويبارك غيهم وضلالهم.
fotuheng@gmail.com
الجريدة الرسمية