رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

مواقع إخبارية كاذبة.. قاتلة!


الكذب حرام، في كل الأديان، وبدون رحمة من ربك تبقى النار هي المأوى، والكذب عار على أي إنسان، ولكنه أشد تحريما وأوجب رفضا حين يتعلق الكذب بلسان صحفي، على الشاشة، أو وراء ميكروفون أو وراء الكيبورد، على موقع إلكتروني أو صحفي مستتر وراء صفحته على موقع تواصل اجتماعي.


ولا بد من الاعتراف بأن شيوع ممارسة الكذب في السنوات الأخيرة ارتبط بالصحافة الرقمية أو التليفونية وبصحافة المواقع الاجتماعية أكثر مما ارتبط بالصحافة الورقية لأن الأخيرة تسمح آليات العمل فيها بالمراجعة والتدقيق والتصحيح، بينما طبيعة العمل السريعة الخاطفة التي تميز صحافة المواقع الاجتماعية أو الإخبارية لا تتيح الفرصة الواجبة للمراجعة والتدقيق سعيا للسبق بثوانٍ أو دقائق في مواجهة منافسة محمومة يتم فيها التضحية بأجزاء كاملة من الحقيقة.

ومن العزاء أن نعرف أن الغرب ذاته يعاني ظاهرة الأخبار الكاذبة، والمضروبة والمفبركة، وهناك ألفاظ وتسميات أخرى في قاموس زملائي لا أريد إلى سردها، وقبل أيام أجرى الرئيس التنفيذي لشركة أبل تيم كوك حوارا مع الديلي تليجراف البريطانية كشف فيه عن مرارة وحنق بالغ، وقال:
 
"الأخبار الكاذبة تقتل العقول، وأصبحت التقارير والقصص الإخبارية وباء منتشرا مما يمثل مشكلة كبيرة في مناطق كثيرة من العالم، ولا بد من حملة ضخمة ترفع وعي الناس بخطورة تلقي الأخبار الكاذبة، ويمكن تحقيق ذلك من خلال التعليم في المدارس ولدى الرأي العام".

وبمرارة أشد قال كوك: "الظاهرة تفاقمت وتصاعدت لأن شركات تكنولوجية متعجلة لا تدقق قررت جذب القراء إلى مواقعها بأي ثمن وبأي طريقة، وعلى حساب الحقيقة".

ثم وضع الجريمة في التوصيف الصحيح من واقع خبرته في أكبر شركة تكنولوجيا معلومات في العالم بقوله: "هدف الشركات الإخبارية تحقيق أكبر عدد ممكن من الزيارات للخبر الواحد، وليس بث الحد الأقصى من الحقيقة!".

والحق أن التوصيف والتشخيص الأخير هذا يفتح الباب واسعا أمام آلية ومفهوم صياغة العنوان الإلكتروني، ولن أقول العنوان الصحفي، فالأخير قواعده معروفة وموضع احترام الصحفيين المهنيين، لأنه يقدم المعلومة الكاملة مكثفة في العنوان وعلى نحو شيق بيلغ. في العنوان الإلكتروني يمارس أصحاب المواقع كتابة العناوين على طريقة "قرب قرب قرب ياللي بعيد قرب ياللي هناك شوف البت اللولبية عملت ايه في الست المغربية"، طريقة بلدي فجة لإثارة الاهتمام، أو "انفجار ضخم في العتبة وانظر ماذا وقع".

وحرائق هائلة في مستودع، أو سقوط هليكوبتر" وتدخل متعجلا خشية أن تكون الهليكوبتر مصرية فاذا بها في أستراليا مثلا!

الترخص والابتداع يحققان ربما جاذبية وقتية، وزيارات عديدة للموقع تحقق له مكاسب مادية، ولكنها تمنى المجتمع بمصائب لا حصر لها. من أجل هذا طالب كوك بدور أكبر للحكومات في العالم لاتخاذ إجراءات لحماية حقيقة المعلومات دون تكبيل حرية التعبير. ولا يخفى على أي مراقب أن ماكينة ضخ الأخبار والقصص الإخبارية المختلقة والكاذبة شهدت أسعد أيامها وسنواتها في كل من مصر وليبيا وسوريا وتونس والعراق واليمن، حيث قامت شبكات اختلاق الشائعات بتأجيج مشاعر وجنون الجماهير بأن نشرت أخبارا غير صحيحة عن أموال وحكام أو شخصيات عامة بهدف تدميرها معنويا وتهيئة الرأي العام الذي تحول إلى وحش ساخط هادر فقد رشده، لقبول سجن هذا وإعدام ذاك!

أيضا ظهرت جسامة أداء هذه الشبكات والمواقع في الحملة الانتخابية الأخيرة للمرشحين ترامب، وهيلاري، فقد شهدت سيولا من الأكاذيب، ولا تزال تتدفق وتضيق الخناق على الرئيس الحالي دونالد ترامب، وخصوصا دور بوتين في إنجاح ترامب كيدا ورفضا لهيلاري كلينتون.

مواقعنا المصرية في عدد لا بأس به منها تتمتع بمصداقية واحترافية عالية، ويبقى أن تتريث قليلا تجاه بعض التقارير وأن تعيد النظر في أسلوب صياغة العناوين، لتمارس فضيلة التيقن والتحقق والمصداقية. أما مواقع "بير السلم" فسوف يسقط عليها سلم الأكاذيب الذي صعدت عليه وسممت الرأي العام المصري. مرة أخرى أعيد مقولة تيموثي كوك رئيس أبل: الأخبار الكاذبة تقتل العقول!

فعلا لأنه حين يموت العقل ينطلق الجنون وتزدهر الفوضى.. تلك هي المسألة.
Advertisements
الجريدة الرسمية