رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

أبو الغيط: المتشددون أشعلوا فتيل الأصولية الدينية لأغراض سياسية

 أحمد أبوالغيط الأمين
أحمد أبوالغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية

قال أحمد أبوالغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية: إن الشرق الأوسط ليس في حاجة إلى "عملية وستفالية"، وإنما يحتاج إلى إعادة ترسيخ مبادئ وستفاليا وفرض الإقرار بها.


جاء ذلك، اليوم الثلاثاء، في سياق كلمة أبو الغيط خلال الندوة التي عُقدت على هامش مؤتمر ميونخ للأمن 2017 تحت عنوان "هل يُمكن تطبيق معاهدة وستفاليا في الشرق الأوسط؟".

وأشار أبو الغيط إلى أنه توفرت لديه الفرصة للمشاركة مؤخرًا في عدد من المنتديات التي شهدت طرح أفكار مختلفة عن نظام جديد في الشرق الأوسط، على سبيل المثال، خلال "الحوار المتوسطي – الذي عُقد في روما في ديسمبر الماضي- تمت الإشارة إلى مبادئ هلسنكي التي تعود لفترة الحرب الباردة في السبعينات.

وتابع: "في حوار المنامة –الذي عُقد في نفس ذلك الشهر- تمت مناقشة فكرة إقامة نظام أمني جديد في المنطقة، وقد قرأت الخطاب الذي أدلى به "شتاينمير" وزير خارجية ألمانيا (وقتها) في نوفمبر الماضي، والذي تناول كذلك بعضًا من هذه التوجهات والأفكار، وبأمانةٍ كاملة، وبرغم الإغراء الذي تنطوي عليه فكرة إقامة نظام إقليمي جديد في المنطقة، فإنني أستميحكم عُذرًا في أن أختلف مع هذا الطرح".

وأضاف أبو الغيط: "ما نحتاجه اليوم ليس نظامًا جديدًا بشكلٍ كامل، ربما ما نحتاجه حقًا هو العودة إلى ذات المبادئ التي تأسس عليها نظام وستفاليا، وهي بالتحديد: الاعتراف المتبادل بالسيادة المتكافئة بين الدول، وعدم التدخل في الشئون الداخلية، والفصل بين الدولة والدين، وبعبارة أخرى، فإننا لسنا في حاجة إلى "عملية وستفالية"، وإنما نحتاج إلى إعادة ترسيخ مبادئ وستفاليا وفرض الإقرار بها.

واستطرد: "لقد تمت صياغة النظام الإقليمي في الشرق الأوسط وفقًا لمبادئ وستفاليا منذ أكثر من مائة عامٍ خلت، حيث جرى إنشاء دول وطنية، ورسم حدود، وظهرت إلى حيز الوجود كيانات سياسية معاصرة".

وأشار إلى أنه فُرض هذا النظام على المنطقة بواسطة القوى الاستعمارية، وهو لم يكن بأي حالٍ نظامًا مثاليًا، وبرغم كل ما اعتراه من عيوبٍ وثغرات، فقد استمر لما يقرب من مائة عام، حيث ترسخت هويات وطنية جديدة وتعزز وجودها بمرور الوقت، وعلينا أن نتنبه لأهمية هذا "الإنجاز".

وتساءل أبوالغيط: لماذا استمر النظام القائم في الشرق الأوسط طوال هذه الفترة؟! في ظني أن السر يكمن في الالتزام بمبادئ وستفاليا "السحرية"، ألا وهي السيادة وعدم التدخل في الشئون الداخلية، وإننا عادة ما نعتبر هذه المبادئ أمرًا مفروغًا منه، ونتناسى مدى أهميتها لاستقرار النظم الإقليمية، ولا نُقر بأهمية هذه المبادئ فقط في حالة خرقها!

وأكد أنه ليس معنى ما سبق أن هذا النظام الإقليمي لم يتعرض لتحديات، فقد جرى توظيف القومية العربية من جانب بعض البلدان في عقودٍ سابقة من أجل تبرير مساعيها للسيطرة، وقد كان التحالف الدولي ضد صدام حسين في 1991، والذي ضم الدول العربية الرئيسية، مثالًا كلاسيكيًا لاستعادة النظام والدفاع عن مبدأ أساسي من مبادئ وستفاليا وهو السيادة المتكافئة، حتى لأصغر الدول.

وأوضح أن "النظام الوستفالي" في الشرق الأوسط لم يعمل بصورة مثالية بسبب استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية، مشيرًا إلى أنه تمثلت إحدى نتائج وستفاليا في أوروبا في البزوغ التدريجي لمبدأ حق تقرير المصير كصيغة مقبولة لتأسيس الدول.

وتابع: "بالنظر للشرق الأوسط، فإن معاناة الفلسطينيين، والفشل في تلبية طموحاتهم المشروعة بإقامة دولة مستقلة لهم، ظلت لوقت طويل مصدرًا للغضب والتوتر، ليس فقط في فلسطين ولكن بطول العالم العربي كله، ومن المؤكد أن القضية الفلسطينية تُمثل سببًا جذريًا في البلاء الذي تعرضت له المنطقة خلال الأعوام الستين المُنصرمة، ذلك أنها خلقت شعورًا نفسيًا عميقًا بالظلم لدى العرب، وسوف تظل هذه القضية مصدرًا للمتاعب في المنطقة لسنواتٍ قادمة، ما لم يتم معالجتها بصورة عادلة وشاملة، وكلنا يعلم أن الطريق لتحقيق تلك الغاية هو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية المُستقلة".

وركز أبو الغيط على أن الإسلام السياسي شكل تحديًا آخر للنظام، وإن الجماعات الإسلامية كان يحركها شعور عميق بالإذلال على أيدي الغرب خلال الحقبة الاستعمارية، ووجد الإسلاميون تربة خصبة لتجنيد الشباب لأهدافهم المتطرفة وبهدف نشر أيديولوجيتهم الأصولية، كما استغل الإسلاميون كذلك الشعور السائد بالظلم الذي أفرزته مأساة الفلسطينيين.

وأشار أمين عام جامعة الدول العربية إلى أن حرب الثلاثين عامًا في أوروبا (والتي انتهت بصُلح وستفاليا) تُعطينا درسًا بأن إشعال فتيل الأصولية الدينية يُمكن أن يصير إستراتيجية فعّالة من أجل حشد الناس صالح أغراض سياسية، وقد كان الحل الذي طرحته "وستفاليا" لهذه المعضلة عبقريًا بحق، إذ أن القاعدة الذهبية التي تقول بأن "كل أمير له استقلالية في الشئون الدينية داخل إمارته" تعني الفصل بين الدين والسياسية في الشئون الدولية، كما تهيء السبيل للتعايش بين أديان وطوائف مختلفة داخل الدولة الواحدة، والحال أن هذا المبدأ ظل يتراجع في الشرق الأوسط منذ هزيمة 1967، فضلًا عن أنه تآكل بصورة أكبر في أعقاب "الثورة الإسلامية" في إيران في 1979.
Advertisements
الجريدة الرسمية