رئيس التحرير
عصام كامل

مصطفى أمين يكتب: ركوب الموجة

مصطفى أمين
مصطفى أمين

في جريدة الأخبار عام 1992 كتب مصطفى أمين مقالا قال فيه:

أعرف قوما نبغوا في ركوب الموجة، كل موجة.. يفطرون مع الشيوعيين، يتغدون مع الاشتراكيين، يتعشون مع الرأسماليين.. يغيرون جلودهم مع كل فصل سياسي، ويتلونون بلون كل حاكم، ويتحولون مع اتجاه الريح.


وهم يعتبرون هذا التذبذب خفة دم، وهذا النفاق شطارة، ويسمون المتمسكين بمبادئهم مجانين مكانهم مستشفيات الأمراض العقلية.

وعندما يرتفع مستوى الحكم يهبط مستوى المنافقين، لكن عندما يهبط مستوى الحكم يرتفع شأن المنافقين، ويهبط سوق أصحاب المبادئ فلا مكان للمؤمنين في كباريهات السلطان.

والمواطن الذي يعتنق مبدأ سياسي إنما هو أشبه بمن يتعبد ولا يستطيع أن يتعبد في نادي ليلي بين رقص الراقصات وهز البطون.. ومن أجل هذا تروج صناعة المنافقين في المجتمعات المنحرفة، ويصبح لا مكان للرجل الشريف المتمسك بمبادئه وبالمثل العليا.

مثل هذا الرجل يوضع على الرف لا يطمئن أصحاب السلطان إليه، فهو خارج على قانون الغابة؛ حيث الشرع المعترف به أنه لا مبادئ ولا أخلاق ولا مثل عليا، فكلما انحط الإنسان ارتفع وكلما علا هوى إلى الحضيض.

السارق عبقري والأمين عبيط، والمنافق فيلسوف، والمؤمن قفل لا يفهم لغة العصر الذي يعيش فيه.

لكن كل هذا الهوان مؤقت فلا يلبث أن ينتهي الليل ويجيء النهار فيرى الناس ما أخفاه الظلام، لو أن هؤلاء المنافقين كانوا أذكياء لعلموا أن النزاهة تدر مالا وأن الأمانة تدر ذهبا، وقد يحتاج هذا إلى بعض الوقت وبعض الصبر وبعض الصمود.. لكن في نهاية الأمر تربح النزاهة كأنها سند يكسب عشرات الألوف وتستطيع أن تشتريه بريال واحد.

الذين يبهرون بما استطاع أن يصل إليه هؤلاء الشياطين من ثروة وجاه ومن مال حرام عليهم أن ينتظروا حتى يقرأوا الصفحة الأخيرة والسطر الأخير.

إن المال الحرام له لعنة مؤكدة لا ينجو منها إلا الأشراف.
الجريدة الرسمية