رئيس التحرير
عصام كامل

حقوق الإنسان وصالح المجتمع


خلق الله الناس أحرارًا ويريدهم أن يكونوا أحرارًا وسواسية لا يعلو أحدهم على الآخر ويأمرهم بالمحافظة على الحقوق التي شرعها والحرص على الالتزام بها ثم كلفهم شرعًا بالجهاد في سبيلها والدفاع عنها ومنع الاعتداء عليها، فالله هو الذي قررها للإنسان وفرضها عليه فرضًا كجزء لا يتجزأ من نعمة الله على الإنسان حين خلقه في أحسن صورة، وقد ارتقى المفهوم الإسلامي لحقوق الإنسان إلى مقام العبادة الرفيع في نفس كل إنسان لأن شريعتنا الغراء تسمو بالحقوق لمرتبة الواجب الديني المقدس المفارق لأي سلطة وضعية.


ومن آمن بالله وحسن إيمانه عرف حقوقه والتزم بها وحرص عليها وامتنع عن التنازل عنها وجاهد في سبيلها لأنها منحة إلهية وأمانة وضعها الله في عنقه، ومن اكتمل إيمانه أدرك حق الله على عباده وحق العبد على ربه فقد روي عن معاذ بن جبل أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتدري ما حق الله على العباد؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: فإن حقه عليهم أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، أتدري ما حقهم عليه؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: ألا يعذبهم.

وهذا هو الفارق بين نظرة الإسلام للحقوق ونظرة الحضارة الغربية لها، فالأخيرة حولتها من حقوق طبيعية إلى مطالب سياسية بينما جعلها الإسلام في نصوصه الثابتة فرائض إلهية وواجبات شرعية، فالحضارة الغربية تراها مجرد حقوق وهناك فرق بين الحق والواجب، فالأول قابل للتنازل أما الثاني فلا يستطيع صاحبه إسقاطه بل يأثم إن تنازل عنه، وقد وضع الإسلام قيودًا على الحريات حتى لا تتحول إلى أنانية متمركزة على الذات ملغية للآخر فقد وضع قيودًا على الحرية الجنسية لتقف في وجه الفلتان الغريزي الذي هو شهوة كل الناس وهو بهذا عصم المجتمعات المسلمة من العلاقات غير الشرعية التي تئن منها بعض المجتمعات الغربية ففي السويد –حسب بعض الدراسات- 95% من الناس قد جربوا العلاقات غير الشرعية قبل الزواج وظهرت أعداد هائلة من الأمهات غير المتزوجات وأغلبهم في مرحلة المراهقة وازدادت نسبة الإجهاض.

فالإسلام دين نزل بتكليفات وواجبات تستوجب حمايتها في الأرض فرعاية الواجب الشرعي لا خيار فيه فجسد المرأة عورة لا يجوز أن يكشف منه ما لم يأذن به الله والاختلاط المحرم بين الجنسين لا يجوز الإذن به فهنا الحقوق ليست مطلقة كما يعتقد الغرب أن الاختلاط المحرم جائز بحجة عدم التفرقة العنصرية؛ لأن مقاصد الشريعة تهتم بعدم الإضرار بمصالح الجماعة التي يعتبر الإنسان فردًا من أفرادها، والمسلم الصالح الذي يؤمن بالثواب والعقاب يحترم حقوق الإنسان دون رقابة الدولة لأنه يعلم أن الله مراقبه في السر والعلن فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره، وهذه المراقبة توفر له مصداقية ورسوخًا أكبر بكثير من كون حقوق الإنسان تكمن في مواد أقرها البشر وأجمعوا عليها، وبقدر قوة إيمان المرء بتحقيق علم الله تزداد خشيته وورعه ويحسن عمله وترتدع نفسه عن المنكرات.
الجريدة الرسمية