رئيس التحرير
عصام كامل

الطلقة الرابعة


منذ عشرين عامًا كنت في السابعة ألعب بمسدس بلاستيكي صغير يتم حشوه بستة رصاصات من البارود.. كان عالمي صغيرًا يدور مع دوران ساقية المسدس.. أضرب الطلقتين الأولى والثانية في الهواء، مشاهدًا تحرك الساقية وأنا استمع إلى الصوت المميز واستنشق رائحة البارود.. بعدها يتبقى لي أربعة طلقات.. أظل ألهو بالمسدس حتى تأتي الطلقة الأخيرة.. أركز جيدًا على هدفي، وأطلقها ثم يتوقف المسدس قليلًا عن العمل، استعدادًا لوضع المزيد من الرصاصات.. واليوم استعيد ذكريات الطفولة بأربع طلقات مختلفة.


(1)
شخصية المدير العام في قصة "الرجل المناسب" لفتحي غانم، تستحق التأمل.. فالمدير الفاسد يعتقد أنه الرجل الأنسب لإدارة الشركة، لذا يجتمع مع رؤساء الأقسام ويطلب منهم عدم التعاون مع رئيس مجلس الإدارة الجديد.. والمدير واثق بأن الدكتور الجامعي الشريف الذي جاء على رأس الشركة في محاولة لإصلاحها وإنقاذها من الانهيار، تنقصه الخبرة العملية وأنه سيرحل مثلما ذهب خمسة رؤساء آخرين قبله.

الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم الجديد، له رؤية وخبرات أكاديمية محترمة، لكنه سرعان ما سيصطدم بأصحاب المصالح في الوزارة، والذين يرضيهم بقاء الوضع الراهن وعدم إحداث تغيير.

مررنا بخمسة رؤساء سابقين والعديد من وزراء التعليم، حتى وصلنا إلى مرحلة يحتاج فيها معظم الحاصلين على شهادة "الإعدادية" إلى شهادة "محو الأمية" وتكونت لدى قناعة أن إصلاح التعليم يبدأ بإصلاح الوزارة ذاتها، وطرد كل من يحاول أن يلعب دور "الرجل المناسب".

(2)
تغيرت الزعامة عدة مرات من زعيم ملهم إلى زعيم مؤمن إلى زعيم موظف، وخلال عصر الأخير تحولت الزعامة إلى مسرحية يتم عرضها في شارع الهرم، وهو الشارع الذي التقت فيه الراقصات ببعض رجال الأعمال، واجتمعت فيه بنات الليل ببعض رجال المجتمع والسلطة، لينصهروا جميعًا معًا مشكلين "عجينة" مجتمع قبيح يعادي مجتمع "عجينة" الفلافل..

تغيرات المجتمع دفعت البعض للتوقف عن مواجهتها مع البدء في الحياة داخل إطار زمني مختلف.. فأصبح هناك من ينادي بالعودة لأيام عبد الناصر، وآخرين يطالبون بعودة صلاح الدين، وفريق ثالث يتمنى عودتنا إلى عصور ما قبل التاريخ.. التمسك بما ذهب وانتهى، هو الدافع الذي جعل "أمينة" تردد على مسمع "السيد أحمد عبد الجواد" في رواية (بين القصرين) دعاء تعلم أنه لن يتحقق لكنه سوف يرضيه فقالت: (ربنا قادر على أن يعيد إلينا أفندينا عباس) فهز الرجل رأسه وتمتم قائلًا: (اللهم استجب).

(3)
(والله لأقتلك وأجيب الهلباوي) هذه العبارة ترددت منذ أكثر من مائة عام، عندما ذاع صيت المحامي إبراهيم الهلباوي، وذلك للدلالة على قدرته على الإتيان بالبراءة مهما كانت صعوبة القضية.. وقيل في الأمثال (عليك لسان الهلباوي) إشارة إلى براعة الحديث.. وقد احترم الناس موهبة "الهلباوي" في الكلام، لدرجة أن الجزار إذا باع لسان "الدبيحة" بمبلغ كبير استنكر الزبون قائلًا (ليه.. هو لسان الهلباوي؟!).

ورغم تقدير الجماهير له فقد أخطأ "الهلباوي" عندما ترافع عن الإنجليز في قضية دنشواي، متسببًا في إعدام الفلاحين، فأطلقوا عليه (جلاد دنشواي) ورغم محاولاته اللاحقة لأن يُمحي هذا الخطأ الوحيد، إلا أن أحدًا لم يسامحه، فالأهم من تواجد الموهبة أن يتم تسخيرها بإخلاص لصالح المجتمع..

لذا لا أغضب كثيرًا عندما أفتح التليفزيون فأجد أحد المنافقين وقد تحول إلى إعلامي كمكافأة له، فمهما كان لدى هؤلاء من براعة حديث "الهلباوي" فإن محاولاتهم لتمرير الباطل وتحويله إلى حق سوف تسقطهم ولن يسامحهم أحد.

(4)
عملت رئيسة وزراء بريطانيا السابقة "مارجريت تاتشر" كمستشارة لشركة "سجائر" بعد اعتزالها العمل السياسي بينما تاجر "محمد علي" في "التبغ" قبل ممارسة السياسة.. ولا توجد علاقة بين دخان السجائر ووعود السياسيين سوى أن كلاهما سرعان ما يتبخر لتبقى أكاذيب السياسيين مدعومة بمانشيتات بعض الصحف وأقاويل بعض الإعلاميين وهى أمور لن تكفي لإنقاذنا إذا غرقت السفينة.
الجريدة الرسمية