رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

محمد حسنين هيكل يكتب: التراكم مشكلتنا

محمدحسنين هيكل
محمدحسنين هيكل

في كتابه "بصراحة.. عن عبد الناصر والسادات ومبارك" كتب محمد حسنين هيكل يحلل مشكلة الصحافة في مصر، فقال:

مشكلة الصحافة المصرية جزء من مشكلة المجتمع المصري عموما.. وهي مشكلة "التراكم".. وسوف أشرح ما أقصده بالتراكم مستلهما الصورة من دراسات علماء الاجتماع في تشخيصهم لأوضاعنا.


علماء الاجتماع يقولون إن تاريخ مصر يحمل ظاهرة غريبة تتلخص في أن مصر تأخذ بالجديد دائما ولا تستغنى في نفس الوقت عن القديم.. وهكذا يتراكم التراث طبقات فوق بعضها.. فلا تحدث عملية فرز تستوفى مداها فتأتي بالجديد وتستبعد القديم.

كان هناك العصر الفرعوني وجاء العصر اليوناني فلم يزح الفرعوني إنما كون طبقة فوقه، ونفس الشيء فعله اليوناني مع الروماني، والبطلسي مع اليوناني.. حتى جاءت عصور التاريخ الإسلامي، عصر الخلافة وفوقه طبقة كونها عصر الفاطميين، ثم طبقة العصر الأيوبي، ثم المماليك، ثم العثمانيين.. وهكذا.

وحتى في الأزياء.. الجلباب وبجواره العباءة والعقال والجبة والقفطان والجاكيت والبنطلون والبلوفر والتي شيرت.. كله على بعضه، وكله في نفس الوقت... في نفس الشارع.. بل في نفس البيت.

أكاد أقول إن هكذا حدث للصحافة المصرية تراكم طبقات، جديد يجيء لكن القديم لم يتغير وإن توارى أحيانا تحت السطح.

الذين كانوا يكتبون في العصر الملكي والأحزاب التي عملت في إطاره.. موجودون، وعندما جاءت الثورة بقوا وجاءت طبقة أخرى، وعندما برز عبد الناصر وحدثت تحولات ظهرت طبقة ثالثة، وفي عصر السادات ظهرت طبقة رابعة، وفي عصر مبارك ظهرت الطبقة الخامسة.

كله تراكم فوق بعضه.. الجديد يظهر والقديم موجود، ولأن الصحافة في الواجهة.. في الضوء الساطع أمام الناس صباح كل يوم فإن تناقض الصورة يبدو حادا وأحيانا يبدو شديد الحدة.

واذا تصورنا قاعة يجتمع فيها بمعجزة إلهية كبار رموز السلطة والحكم في النصف القرن الأخير من 1936 إلى 1986، نجد صورة سريالية، فيها ملكان وأربعة من رؤساء الجمهوريات وقرابة 30 من رؤساء الوزراء ومثلهم من قادة الأحزاب.

بالضبط هذه صورة ما يجري في الصحافة المصرية؛ فالذين يتحاورون اليوم على ساحتها هم الذين عبروا عن هذه العصور، وما زال بعضهم يعبر وعن كل العصور.
Advertisements
الجريدة الرسمية