رئيس التحرير
عصام كامل

ليس دفاعا عن شيخ الأزهر


لقد بات واضحًا للعيان أن سياسة لي الحقائق وتزييف الأمور وتحريف الكلم عن مواضعه، وتحميل الألفاظ والمواقف ما لا تحتمل، أصبحت هي السمة الغالبة على المشهد الإعلامي الآن، وأصبح كثير ممن يعتلون منابر الإعلام – مع احترامنا للأخيار الشرفاء منهم – يتعاملون مع رموز الأمة وعلمائها بمنطق التربص والتصيد وتلمس العثرات والقسط الأوفر من هذه السياسة الماكرة الخادعة يُعامل بها الأزهر الشريف وعلماؤه حتى هيئة كبار علمائه الموقرة، وإمامه الأكبر شيخ الإسلام والمسلمين.


إن هيئة كبار العلماء تضم صفوة الصفوة من علماء الأزهر الشريف، ممن أفنوا أعمارهم في العلم، وجميعهم معروفون بالنزاهة والزهد والترفع وهى المرجعية العليا للمسلمين حول العالم في الاجتهاد الأصيل، وإليها يفزع المسلمون في كل مكان في كبريات قضاياهم الدينية، والتصدى لما يستجد من مشكلات الفقه والفكر، وما منهم إلا وهو – مع صيانته وديانته – مملوء علمًا من مشاشه إلى أخمص قدمه، وإن شيخ الأزهر رجل معروف بوطنيته، ومواقفه الوطنية أكثر من أن تحصى، ويعرف القاصى والدانى دوره البارز والفعال في ثورة 25 يناير وما بعدها، ونداءاته المتكررة للثوار بظبط النفس والحفاظ على الممتلكات والهيئات والأرواح، ثم موقفه التاريخى في دعم الإرادة الشعبية في ثورة 30 يونيو، ووقوفه جنبًا إلى جنب مع القيادة السياسية في تحقيق الحلم الشعبى، وتخليص البلاد من واقع مـر فرض نفسه على البلاد سنة كاملة.

فليس هناك مجال للمزايدة على وطنية شيخ الأزهر، وليس هناك سبيل إلى طمس سجل حافل بالمواقف المشرفة التي سيسطرها التاريخ بحروف من نور.

إننا ندرك تمامًا أن قيادتنا السياسية الحكيمة على بصيرة تامة بهذه الحيل الماكرة التي تفتعل الأزمات لإيجاد جو من اللغط يشغل الناس عن مهمات الأمور وإنجاز ما ينفع البلاد والعباد، وكلنا ثقة في أن ما يتمتع به سيادة الرئيس من الرشد السياسي وبعد النظر سيجعله لا يسمح لهذا اللغط بالاستمرار، وكما يردد سيادته دائمًا إن المرحلة مرحلة عمل وبناء، ولا وقت للكلام، والوطن محتاج إلى تكاتف أبنائه وتضافر جهودهم من أجل النهوض به.

إننى أناشد القائمين على الصحافة والإعلام بهذا البلد، اتقوا الله في هذا الوطن وإياكم أن تؤتى مصر من قبلكم، وأن تفعلوا بمصر ما عجزت القوى العظمى التي فتتت المنطقة العربية كلها عن فعله بهذا البلد، بفضل الله سبحانه وتعالى، ثم بجيشه الباسل، وشعبه العظيم، والرباط المقدس الذي يجمع بين طوائف الوطن على السواء، كفوا عن الجدل واللغط  واصطناع الأزمات، وتصيد الكلمات، وبتر السياقات لنسج أوهام وأباطيل من أجل إشعال فتنة نائمة، ملعون من يوقظها، اشغلوا أنفسكم بالبناء لا بالهدم، وبالعمل لا بالجدل، وبالتساند لا التعاند، فهذا دوركم وهذه مسئوليتكم أمام الله والناس، وكفوا ألسنتكم عن الأزهر، وإمامه، ورجاله، وشيوخه  فهم صمام الأمان لهذه الأمة، وكفانا تشويهًا للحقائق، وتزويرًا للتاريخ، وغمطًا للجهود.

"وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ " (هود 85 ).

إن الأزهر الشريف هو لسان الصدق الذي ينشر في الآفاق عظمة مصر وينشر حضارتها، فهو قبلة طلاب العلم من جميع العالم، وأروقته وساحاته تسع الجميع، لينهل الوافدون من كل الأنحاء علوم الدين والدنيا في هذه الجامعة التي هي أقدم جامعات العالم على الإطلاق، ثم يعودون إلى بلادهم سفراء يعلمون الناس مبادئ الحق والخير والجمال، وعلى التوازى يرسل الأزهر سفراءه في كل مكان لنشر الوسطية وتعزيز القيم وتعليم الناس الدين الحق، بل يقوم شيخ الأزهر بنفسه برحلات خارجية يجوب بها الشرق والغرب متحدثًا إلى العالم كله عن الإسلام الحق، جاهدًا في تصحيح الصورة المغلوطة عن الإسلام في العالم، عاملًا على إماطة اللثام عن الحقائق الإنسانية العليا التي جاء بها هذا الدين الحنيف، غير ما يقوم به على الصعيد الداخلى من خطوات عملية لتصحيح الفكر، ونشر القيم، ودعم الأفكار التي من شأنها صنع نسيج مجتمعى قوى يربط برباط الحب والألفة كل طوائف المجتمع على السواء، مع اختلاف أديانهم وعقائدهم وأفكارهم، مثل بيت العائلة المصرى، ومادة الثقافة الإسلامية التي تربى ناشئة الأزهر على الفكر المستقيم، ومرصد الأزهر الذي يتعقب أفكار المتطرفين وأطروحاتهم ويقوم بتحليلها وتفكيكها ونقض هذه المبادئ والأفكار ونشر ذلك على العالم باللغات المختلفة.

وغير ذلك من الأفكار والتجارب التي يباشر شيخ الأزهر بنفسه تنفيذها في جهد موصول بالليل والنهار للعمل لصالح هذا الوطن ورفعة شأنه، وبعد ذلك يقال: إن الأزهر لا يقوم بدوره، وأنه لا يعمل لتصحيح الفكر ومواجهة التطرف، أو أنه يصادم الدولة ويعادى نظامها.. سبحانك هذا بهتان عظيم، وصدق المتنبى حين قال:
وكم ذا بمصر من المضحكات       ولكنه ضحك كالبكا
الجريدة الرسمية